مقالات القراء

د. السباعى حماد يكتب: من يسعى إلى تقسيم المنطقة؟

الأحد، 26 يناير 2014 12:12 م

صورة أرشيفية

كثر الحديث فى السنوات الأخيرة عن تقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة، واللافت أن أكثر المتحدثين فى هذا الموضوع يتهم الغرب صراحة وعلى رأسه أمريكا وإسرائيل بأنهم وراء فكرة التقسيم ولديهم الخرائط جاهزة وأموال التنفيذ مرصودة وأن المخطط بدأ تنفيذه بالفعل فى أكثر من مكان، وحتى يوهمك هذا المتحدث أو المحلل السياسى بوجهة نظره فيما يشبه عملية غسل للدماغ، تراه يلقى على مسامعك خلاصة لايمكن رفضها وهى أن الهدف النهائى أن تكون إسرائيل الدولة الوحيدة المهيمنة فى المنطقة .

الكلام قد يبدو منطقيا ومرتبا، لكن الحقيقة أن الغرب برىء من تهمة التقسيم هذه (ولو أنه متلهف إلى حدوثها ويدس من حين لآخر حقيبة من الدولارات لهذا الطرف أو ذاك للإسراع بتحقيقها )، لكننا نحن ندفن رؤوسنا فى الرمال كالنعامة كى لا نرى أو نفهم حقيقة ما يجرى على وجه التحديد. الغرب لم يكن هو صاحب فكرة التقسبم هذه المرة ولم يرسم لها الخرائط أو يعقد اتفاقات كما فعلها فى سايكس-بيكو القرن الماضى، لكنه -أى الغرب- أذكى منا بكثير ويقرأ المستقبل قبلنا بعقود..هو جالس فى مكانه هذه المرة يراقب سير الأمور وله أصدقاؤه المنفذون المحليون وفى يده أكداس من عقود بيع الأسلحة منتظرة من يوقعها.

كى نزن الأمور ونفهمها بدقة، تأملوا معى بعض سلوكيات أهل المنطقة من مختلف الانتماءات. علماء أهل السنة- الوهابيون منهم على وجه الخصوص- يكفرون الشيعة وينعتونهم بأقسى الصفات كالفرس المجوس، الروافض، الصفويين ويفتون بقتلهم، أما الشيعة وإن كانوا لا يكفرون السنة مباشرة إلا أنهم يؤكدون فى ثقافتهم التربوية أن السنة (وكلهم أبناء يزيد كما يصورونهم) أشد خطرا على الشيعة من اليهود، وهذا أيضا نوع من التكفير اللبق، وقد فسر رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى التفجيرات فى بلاده مؤخرا على أنها حرب بين أحفاد الحسين وأحفاد يزيد.. فى ذات الوقت، تعج وسائط الاتصال المجتمعى مثل فيس بوك وتويتر بحرب باردة وأفكار نارية بين أبناء السنة والشيعة ولى أصدقاء كثر من الطرفين.. فريق يؤله عليا والحسين ويقدم رأسه فداء لسيرتهم، وفريق يفتدى عمر وعائشة بروحه وأمه وأبيه، وكأن الفتنة الكبرى قد عادت، ولا ترى من بين هؤلاء وهؤلاء من يرغب فى التهدئة أوالتراجع، فالتراجع عند أى منهم كفر وهزيمة.

أما سوريا فهى على وشك الزوال والتسوية بالأرض، وقد لا يجد أى من الفرقاء المتحاربين قطعة صالحة للحياة فيها عندما ينجلى غبار المعركة ويحدث التقسيم. العلوى (الشيعي) هناك يقتل السنى والسنى يقتل الجميع ويقطع رؤوسهم شيعة وأكرادا ومسيحيين وسنة إذا اختلفوا معه فى الرأى، وما يحدث فى سوريا يشعر لبنان بتوابعه وكأن بينهم اتصال وثيق بأوان مستطرقة، وتفككت ليبيا بالفعل وليتها تفككت إلى دويلات واضحة المعالم لكن إلى جماعات هلامية غوغائية لايربطها رابط، وفى السودان يرقص البشير بعصاه سعيدا بتطبيق الشريعة، بينما شعبه جائع وقد انفصل عنه الجنوب وتقترب دارفور من الانفصال أيضا، وفى اليمن "السعيد" حرب طائفية أخرى بين حوثيين شيعة وسلفيين سنة لكن بنكهة أخرى نكهة البن والقات، جنوب يتهم الشمال بالسيطرة وشمال يسيطر ولا يحكم بالعدل.

ثم ماذا عن أرض الكنانة مصر؟ عندما وصل الدكتور محمد مرسى إلى الحكم سارع للانضمام تحت لوائه كل تكفيرى على وجه الأرض، وحين سقط، استمر المتطرفون من قادة التيارات الإسلامية يقاتلون ويحرقون من أجل استعادة الحكم والخلافة، أحد زعمائهم أعلن صراحة أن من لا يعجبه تطبيق الشريعة من المسيحيين عليه أن يرحل، ورد عليه قس من الوزن الثقيل: "نحن أصحاب الأرض وأنتم ضيوف" وكادت شرارة الفتنة أن تندلع لكن الله سلم، ومع رفض الأغلبية الساحقة من المصريين لهذه التخرصات، إلا أنه لا أحد متيقن تماما إن كان التحول الجديد فى مصر سيقضى عليها تماما أم لا.

خلاصة القول إنه لا مؤامرة على منطقتنا ولا يحزنون، الغرب يقرأ ما يدور فى عقولنا ويشخص أمراضنا النفسية بكل دقة.. يتركنا نلعب ونلهو كما يحلو لنا وربما يشجع طرفا ما فى لحظة ما، لكنه يعرف نتائج مبارياتنا مسبقا من المجموعات إلى التصفيات.. وهو موقن بأن الكأس له فى النهاية.