مقالات

الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور..!!

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011 04:22 م

بقلم أحمد طه النقر

"أتعرف ما معنى الكلمة.. مفتاح الجنة فى كلمة
ودخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو الكلمة
الكلمة لو تعرف حرمة.. زاد مزخور
الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور
بعض الكلمات قلاع شامخة.. يعتصم بها النبل البشرى
الكلمة فرقان ما بين نبى وبغىّ.."
بهذه الكلمات العبقرية المبدعة لخص الأديب والكاتب والصحفى الكبير الراحل عبد الرحمن الشرقاوى معنى وقيمة الكلمة فى حياة البشرية، كان ذلك فى مسرحية "الحسين ثائرا".. وأرجو أن يقرأ الصحفيون، وخاصة الشباب، هذه الكلمات جيداً، بل وأن يحفظوها عن ظهر قلب حتى يدركوا مدى قدسية المهنة التى اختاروها طريقا لهم فى الحياة.. فلا يكتبون إلا الحقيقة مجردة استشعاراً لثقل المسئولية.. ولعلى لا أبالغ عندما أقول إننى أحرص على استحضار هذه الكلمات كلما تهيأتُ للكتابة.. ولا أُخفى أننى أشعر برهبة شديدة كلما اقتربت من الكمبيوتر لكتابة مقال أو رأى، لأن القضاة العدول الذين سيحكمون على ما أكتبه كثيرون، ولا يمكن خداعهم.. أولهم رب عظيم لا تفوته شاردة ولا واردة، وسيحاسبنا على كل صغيرة وكبيرة.. ثم ضمير مهنى يأبى أن ينحاز إلا إلى الحق.. وقارئ لا يقبل الإمساك بالعصا من المنتصف أو اللعب بالكلمات.. وأخيراً.. التاريخ الذى يسجل ما أكتبه لأجيال قادمة ستقرأ، وتحكم على كاتب بأنه كان يخون الأمانة، وعلى آخر بأنه كان قابضا على شرفه كالقابض على الجمر.. سجلات التاريخ لا تكذب ولا ترحم.. والجاهل فقط هو من لا يأبه لحكم التاريخ.. ورأينا مثالا حيا على ذلك الجهل متجسداً فى الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن الذى سئل "ألا تخشى ما سوف يكتبه عنك التاريخ"؟.. فأجاب بجهالة وبلادة يحسد عليهما "عندما يكتب التاريخ عنى سأكون قد مت"!!

وأزعم أن الرئيس المخلوع كان من ذلك النوع الجهول، ولكن جهله كان مركبا، لأنه كان يجهل قيمة البلد الذى وضعته الصدفة العمياء فى أعلى مناصبه على الإطلاق، حتى إنه جرؤ على السعى إلى تحويله إلى مجرد عزبة تُورَث.. كما إنه لم يقرأ التاريخ، فلم يتح له استلهام الدروس والعبر من سير السابقين، فكان من الطبيعى ألا يعمل حسابا لما سوف يكتبه عنه التاريخ.

مسئولية ما نكتب لا تقتصر على الحاضر، ولكنها ستلاحقنا فى المستقبل وبعد الممات.. إنه التاريخ الذى لا يظلم ولا ينافق ولا يرحم.. اعتدت أن أقول لزملائى فى المهنة، وخاصة شباب الصحفيين، إن الكُتاب والصحفيين الذين يخونون الحقيقة والأمانة والرسالة لهم فى جهنم درك أسفل من درك المنافقين، وهو الأسفل على الإطلاق كما نعلم، وذلك لأنهم لم يكتفوا بعدم قول الحقيقة، ولكنهم تعمدوا لى ذراع الحقيقة وقول الزور.. وهذه جريمة ترقى إلى الخيانة العظمى عندما يكون الأمر متعلقا بحاضر الوطن ومستقبله.

ولا أستطيع أن أُخفى على زملائى أننى أشعر بالحزن والأسى، حيث كان ينبغى أن أشعر بالفخر، عندما أجد الأهل والأقارب والأصدقاء، بل وعامة الناس يهتمون إلى حد كبير بما يحدث على الساحة الصحفية، وخاصة انتخابات نقابة الصحفيين.. ومرد الحزن والأسى أن كثيرا من الصحفيين أنفسهم لا يهتمون كما يجب بمهنتهم ومستقبلها، وخاصة فى هذه المرحلة المفصلية التى ينتقل فيها الوطن، وليس الصحافة فقط، إلى ميلاد جديد.. والأدهى من ذلك أن يسمح هؤلاء لبعض المنتمين لبلاط صاحبة الجلالة بأن يعاملوا مهنتهم المقدسة ونقابتهم القائدة والرائدة كما لو كانت محل بقالة أو كشك سجاير!! ناهيك عن كلام سخيف ورخيص ومتناقض يتردد بأن "مرشح تيار الاستقلال نقابى محترم، ولكن منافسه سيضمن للصحفيين خدمات ومكاسب أكثر".. وغير ذلك من صغائر وإشاعات هابطة مجهلة تسيء إلى من يرددونها وتنم عن معدنهم.. وهذا لا يعنى أن الخدمات ليست مهمة، بل إنها أمر حيوى وجوهرى، ويجب أن تكون على رأس جدول أعمال أى مرشح لمنصب النقيب.. ولكن النقيب الذى يحترم مهنته ونقابته وزملاءه ينبغى أن يعتبر الخدمات حقوقا تنتزع لا منحا تستجدى..

وهو الذى يعتبر النقابة بيته الثانى الذى لا يغادره إلا للذهاب إلى بيته الأول.. وليس مجرد "سبوبة" يهرع إليها كل من يحلم بأن يصير عضواً بالمجلس أو نقيباً رغم انقطاعه وصومه سنوات طوالاً عن ممارسة العمل النقابى أو حتى السير فى شارع عبد الخالق ثروت!!

وبما أن الكلمة أمانة ومسئولية.. ولأن كاتم الشهادة آثم قلبه.. ولأن واجبنا أن نقول الحق ولو على أنفسنا وأيا كانت العواقب.. فقد كتبتُ فى حسابى على "الفيس بوك" ما يلى.. هناك واقعة مهمة وكاشفة أرجو أن يعلمها ويتحقق منها جميع الزملاء لأنه من العيب ومن العار أن تكون هناك معلومات مثبتة وموثقة، ولا يعلمها الصحفيون، وخاصة الشباب منهم، وهم مستقبل هذه المهنة.. المؤكد أن الزميل ممدوح الولى خاض الانتخابات فى المرتين اللتين دخل فيهما مجلس النقابة على قائمة الإخوان المسلمين، ولم ينف انتماءه للجماعة حينئذ.. بل إننى عندما واجهته بذلك فى برنامج تليفزيونى شهير لم ينف ذلك أيضا.. فقد كنا ضيوفا على برنامج الزميل وائل الإبراشى على قناة دريم.. الأساتذة صلاح عيسى ومكرم محمد أحمد وجمال فهمى وكاتب هذه السطور.. كان ذلك عشية انتخابات النقابة عام 2003، وكان التنافس على منصب النقيب بين الأستاذ جلال عارف مرشح تيار الاستقلال النقابى والمرشح الحكومى صلاح منتصر، وكان المأخذ الجوهرى على المرشح الحكومى (وهو ما أدى إلى سقوطه فى النهاية) أنه مؤيد للتطبيع وزار إسرائيل أكثر من مرة بالمخالفة لقرارات الجمعية العمومية للنقابة.. واتصل بالبرنامج الزميل ممدوح الولى متداخلا، فأيد التطبيع مع العدو الصهيونى، ولم يكتف بذلك بل تساءل متعجبا ومستنكرا "لماذا لا نزور إسرائيل ونتعلم منها..

إنها دولة متقدمة ولديها اقتصاد قوى وبورصة مزدهرة"؟!!.. واستأذنتُ من مقدم البرنامج فى الرد بعد أن فوجئت والضيوف بموقف الزميل المتصل.. فقلتُ إننى فوجئت بموقف الزميل ممدوح لأننى أعرف أنه ينتمى لجماعة الإخوان.. وللجماعة موقف محترم مناهض للتطبيع..

ثم أضفت أن من يريد أن يتعلم يا أستاذ ممدوح يمكنه أن يذهب إلى اليابان أو كوريا أو حتى أمريكا.. يعنى "ما حبكتش" على إسرائيل.. لأن ذلك انتهاك واضح وفاضح لقرارات الجمعية العمومية للنقابة، فضلا عن أنه موقف غير وطنى وغير أخلاقى.. هذه الواقعة شاهدها ويشهد عليها الزميلان الإخوانيان صلاح عبد المقصود وقطب العربى اللذان حاولا إسكاتى صباح يوم الانتخابات، عندما أعلنتُ فى بهو النقابة على الملأ، أن الزميل ممدوح الولى مرشح الإخوان طبع على الهواء الليلة الماضية.. وعندما استمات صلاح عبد المقصود قلت له "يا صلاح قل الحق لأن الله سيحاسبك على هذه الشهادة يوم القيامة، وساعتها لن تنفعك النقابة ولا الجماعة.. "ممدوح طبع على الهواء ولا لأ".. فما كان منه إلا أن نظر إلى الأرض منكسراً، وقال نصا وحرفا "يُستتاب يا عمنا.. يُستتاب ياعمنا"..!! ما يعنى تأكيده الواقعة، ولكنه فتح باب التوبة أمام الأخ ممدوح..!!" هذه شهادة حق للتاريخ سيحاسبنى الله عليها، ويمكن أن تسألوا عنها مقدم وضيوف البرنامج وهم أحياء يرزقون.. وكذلك الزميلين الإخوانين صلاح وقطب، وإن أنكرا أرجو أن يحلفا على المصحف.

هذه كلمتى وشهادتى أمام الله والتاريخ وزملائى أعضاء الجمعية العمومية، أكررها الآن لأننى لا أستطيع تحمل عواقب كتمانها فى الدنيا والآخرة، ولأننى مؤمن بأن مفتاح الجنة فى كلمة.. ودخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو الكلمة.