مقالات

عن التحرش

الأحد، 29 يوليو 2012 08:20 ص

بقلم عبد الرحمن يوسف

لا أستطيع أن أفهم أن بعض الأشخاص يلومون الأنثى فى جريمة التحرش!
التحرش الجنسى اعتداء على المرأة قولاً واحداً، قد يكون من ضمن أسبابه الكبت أو تأخر سن الزواج أو أى أمر آخر، ولكنه فى نهاية الأمر اعتداء من رجل على امرأة، ويتفق فى ذلك الشرع والقانون والعقل والعرف.

لو افترضنا أن شخصاً ما نسى باب سيارته مفتوحاً، فإن ذلك لن يبيح لأى أحد أن يستولى عليها، حتى لو افترضنا أنه نسى المفاتيح فى السيارة أيضاً، وإذا حصل ذلك فسيكون هذا الشخص سارقاً فى نظر القانون، وفى نظر كل العقلاء، بلا حاجة إلى تدليل أو تعليل.

لذلك لا ينبغى أن يتذرع بعض أصحاب الأفكار الذكورية بأن المرأة هى السبب فى ظاهرة التحرش، خصوصاً أننا فى بلد محتشم، ولا يوجد فى مصر أى شكل من أشكال العرى الفج.

هذه الظاهرة – فى رأيى – لا يمكن تفسيرها إلا سياسياً، فهى أمر مرتبط بانهيار القيم الإنسانية فى المجتمع المصرى، وهذا مرض سببه الاستبداد السياسى بالدرجة الأولى.

هناك جرائم لم تظهر فى المجتمع المصرى إلا فى نهاية عهد الرئيس السادات، ثم تضخمت فى عهد الرئيس المخلوع، ومن هذه الجرائم جريمة التحرش، وجريمة الاغتصاب، وجرائم القتل الوحشى لأسباب تافهة، وزنا المحارم، وغيرها من الجرائم التى لم يكن يعرفها المصريون، أو على الأقل كانت من أندر النادر، فكانت إذا حدثت يظل الناس يتندرون بها سنوات وسنوات.

هذا الانحطاط الإنسانى سببه أن النظام السياسى المستبد يستخرج أقذر وأسفل ما فى الناس من الغرائز والشهوات، ويغير من منظومة القيم، فيحول المادة إلى إله، فيصبح الجاه والمنصب والمال والنساء والعقارات والسيارات ومظاهر (الفخفخة) هى الهدف الشاغل لكل الناس، وفى نفس الوقت يحول كل القيم المعنوية إلى أمور يسخر منها الإعلام، فيصبح العلم والثقافة والشرف والكرامة والحرية أمورا لا يهتم بها أحد، ومن يهتم بها يسخر منه الناس، ويلومونه لأنه لا يجرى خلف الرغيف.

فى هذا الجو الموبوء، وفى هذا السلم المقلوب للقيم، تستطيع أن تفسر ظاهرة التحرش!
من السهل أن نلوم الأنثى على تسببها فى ظاهرة التحرش، ولكن الصعب أن نطالب بفتح الجرح، وتطهيره مما فيه من الصديد، لأن ذلك مؤلم..!