محمد الدسوقى رشدى

الكلام الأخير عن أهل الردة والغاضبين

الثلاثاء، 20 يوليو 2010 11:59 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرة أخرى تقول ردود أفعالكم الكثير، ولكن نسبة منها تقول شيئا أراه أكثر خطورة، وهو أن كثيرين لا يقرءون بإتقان فقط يقفزون فوق السطور ثم ينطلقون لإبداء الكثير من الأراء التى تكون غالبا بعيدة عن ما نناقشه..

عموما هذه هى آخر سطور سنكتبها فى مسألة الردة، لكى نكون نقلنا ثلاث آراء فقهية مختلفة، أولها يرى أن المرتد يقتل بلا جدال أو نقاش، وثانيها يفرق بين نوعين من الردة ويوصى بقتل المرتد صاحب الردة المغلظة أى تلك التى يتعمد صاحبها أن يجرح فى دينه السابق، وثالث هذه الآراء لا يقر بأى عقوبة دنيوية للردة..

تعالوا نستكمل باقى آراء الدكتور محمد سليم العوا، والذى يرى عقوبة الردة تعزيرا لا حدا، وجمال البنا يرى أنه لا عقوبة للردة، لأن الإسلام كفل للمؤمنين حرية الاعتقاد والإيمان، لأن هذا هو ما يتفق مع سياسة وروح القرآن والنصوص الأخرى العديدة فيه التى بنت الإيمان والاعتقاد على اقتناع الفرد وهدايته دون قسر أو ضغط وحريته إلى أبعد مدى، وفى ذلك يستشهد البنا بقوله تعالى: "فمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف: 29).

البنا رفض أى تدخل من جانب السلطة فيما يتعلق بقضية الردة وقال (أى تدخُّل للسلطة تحت أى اسم كان، وبأى صفة، بين الفرد وضميره مرفوض تماما، وأن الاعتقاد يجب أن يقوم على حرية الفرد واطمئنان قلبه. ودليل جمال البنا ما يلى:
أولاً: إن القرآن الكريم ذكر الردة ذكرًا صريحًا فى أكثر من موضع، ولم يرتب عليها عقوبة دنيوية، ولو أراد لذكر.

ثانيًا: إن القرآن الكريم أوضح- بما لا يدع مجالا للشك، وفى مئات الآيات، وبالنسبة لكل أبعاد قضية الإيمان- أن المعول والأساس هو القلب والإرادة، وصرح بأنه ليس للأنبياء من دخل فى هذا بضغط أو قسر، وأنه لا إكراه فى الدين، وأن من شاء فله أن يؤمن ومن شاء فله أن يكفر.

ثالثًا: إن القرآن الكريم عندما قرر حرية الاعتقاد، فإنه كان فى حقيقة الحال يقرر مبدأ أصوليًا تحتمه طبائع الأشياء والأصول العامة وحكم العقل والمنطق، ولو لم يقرره القرآن لفرض نفسه على المجتمع بحكم السلامة الموضوعية، ولكونه يمثل إحدى السنن التى وضعها الله تعالى للمجتمع الإنسانى، ولم تأتِ الشرائع الإلهية لمخالفتها، وإنما جاءت لتقريره.

رابعًا: أنه لم يرِد عن النبى- صلى الله عليه وسلم- أنه قتل مرتدًا لمجرد ارتداده، على كثرة المنافقين الذين كفروا بعد إيمانهم.

خامسًا: إننا لا نرد حديثًا لمجرد كونه حديث آحاد، وكل حديث يثبت لدينا نحترمه ونقدره، ولكن يجب علينا لكي نطبقه، كمبدأ عام، أن نتقصى غاية التقصي، وأن نلم بملابسات الحديث كله، وأن نتأكد من أنه قد رُوىَ بالحرف وليس بالمعنى، لأنه لا يجوز أن نبيح الدماء أو نقيد الحريات مع احتمال الرواية بالمعنى، فهذا الأسلوب فى الرواية قد يغير المقصود، كما يجب الإلمام بالملابسات التى أحاطت بهذا الحديث، التى قد تجعله حكمًا خاصًا لا عامًا.

وهذه كلها شبهات قوية، ويمكن لأقل منها أن ترد تطبيق حد مذكور فى القرآن على فرد واحد، فكيف يمكن تقرير مبدأ عام يطبق على الكافة مع وجودها؟).
لابد أن نفرق إذن بين فكرة الارتداد المبنية على ممارسة حرية العقيدة وبين الارتداد للمجاهرة بالحرب والإساءة والهدم، ولابد أن يهتم المتابعون لقضية الردة بتلك النقطة، فإذا أرادوا أن يعاقبوا المرتد الذى يجاهر بالحرب وخيانة البلاد أو العقيدة فليعاقبوه بالخيانة العظمى ونحن هنا نستند إلى كلام القرضاوى الذى تعامل مع الأمر بموقف الولاء والانتماء إلى أمة وإلى دولة.

وتأكيدا لذلك نعود إلى شيخنا الجليل المرحوم الشيخ محمود شلتوت، الذى قال: (بعد أن بيّن مستند الفقهاء فى تقرير عقوبة الردة، وخلافهم فى مدى إعمال الحديث النبوى فى قتل المرتد: "وقد يتغير وجه النظر فى المسألة إذ لوحظ أن كثيرًا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبُت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحًا للدم، وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن الكريم فى كثير من الآيات تأبى الإكراه فى الدين"، كما قال فى كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" تحت عنوان عقوبة الاعتداء على الدين بالردة: (الاعتداء على الدين بالردة يكون بإنكار ما عُلم من الدين بالضرورة، أو ارتكاب ما يدل على الاستخفاف والتكذيب.

والذى جاء فى القرآن عن هذه الجريمة هو قوله تعالى: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 217). والآية كما ترى لا تتضمن أكثر من الحكم بحبوط العمل والجزاء الأخروى بالخلود فى النار.

عموما القضية ستظل مطروحة والعقاب سيظل محل خلاف بين العلماء والفقهاء وبين الناس أنفسهم، ولكن الأمر الثابت هو خطورة الردة على المجتمع والأمر الأكثر ثبوتا هو ضرورة مواجهتها ولكن بعيدا عن الدم، ولتكن المواجهة بنفس السلاح الفكر بالفكر والنقاش بالنقاش والحوار بالحوار والمعلومة بالمعلومة حتى تسقط كل الحجج البالية والضعيفة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة