إبراهيم عبد المجيد

«أين الله؟».. فى المحكمة!!

الجمعة، 18 أكتوبر 2013 06:51 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أين الله سؤال حارت فيه البشرية منذ ظهور الإنسان على الأرض. تاريخ البشرية هو من ناحية تاريخ البحث عن الله. استقر الإنسان على أشكال من الألوهية انتهت بالتوحيد. لكن لا يزال من لا يرى فى التوحيد نهاية ويلوذ بإله من بنات أفكاره أو خبرته فى الحياة أو ابتعادًا عن مسألة قد تشغله أكثر مما تشغله الدنيا من حوله. أين الله فى الفلسفة سؤال محورى عند كل الفلاسفة الكبار. ماديون رأوا العالم مستقلا عن أى إرادة سابقة لوجوده، ومثاليون جعلوا على قمة العالم محركا أول، أو سببا لا تسبقه أسباب للوجود. وطبيعى جدا أن ينتقل السؤال إلى الأدب فشغل مساحات كبيرة فى أعمال روائية وقصصية عالمية ومصرية وعربية أيضا. تراثنا فى استقبال السؤال أدبيا، أى فى الرواية أو القصة أو القصيدة ليس طيبا فى مجمله لأن ثقافة تلقى العمل الأدبى هى ذاتها ثقافة تلقى المقال الفكرى. فلا أحد يفرق بسهولة بين ما تنطقه الشخصيات ذات الأزمة فى العمل الأدبى والكاتب، ويتم المزج بينهما، بينما الحقيقة أن الكاتب مستقل عنها لأنه لو كان هو الشخصيات القلقة فمن يكون الشخصيات غير القلقة فى العمل نفسه؟ الصدق الفنى يجعل الكاتب يخضع لثقافة ومشاعر الشخصية الفنية التى لا علاقة لها به هو. زادت مسألة الهجوم على الكتّاب بسبب هذا المزج الخاطئ بينهم وبين شخصياتهم بشكل كبير فى الأربعين سنة الماضية بعد ارتفاع شأن من سموا أنفسهم بالإسلاميين وصار الهجوم على الأدباء مهنة وطريقة فى مجلس الشعب لجذب الأضواء إلى صاحبها. رفعت قضايا حسبة متكررة شملت مفكرين وأدباء. وقضايا لمصادرة الكتب ورقابتها بينما لا توجد رقابة على الكتب منذ عام 1978. وصار الهجوم من بعض الإسلاميين فى مجلس الشعب وخارجه طريقا للفضائيات والإعلام شغلتنا عن بلادنا وأحوالها السيئة كثيرا بينما العمل الأدبى لا يفرضه كاتبه على أحد. ينزل الكتاب السوق فيصبح سلعة تحبها أو تكرهها. تشتريها أو تعيدها للبائع. تحتفظ بها أو تلقى بها. وهكذا لا يفرض الكاتب على أحد أن يقرأ ما ينتجه فى السوق حتى لو أهداه لك. لكن لا فائدة فى هذا الكلام. لمن تتحدث والذى يرفع القضية يعرف أنه سيكون فى التليفزيون فى اليوم التالى. أو على أقل تقدير سينام قرير العين متصورا أنه يدافع عن الله أو الدين ولا يقول رأيا فيما يراه من ظلم واقع على الناس من الحكم والحكام . ما حركنى للكتابة حول الموضوع الآن هو المجموعة القصصية «أين الله» للناشط والمحامى كرم صابر. لقد كتبت عن قضيته بإيجاز من قبل وهذه المرة أتيحت لى الشكاوى التى هى من قراء عاديين فى قرية واحدة يجمع توقيعاتهم شخص أو بعض الأشخاص. لن أقول كما يقال إن من فعل ذلك منافس للكاتب المتهم فى نشاطه. هذا لا يهمنى لكن يهمنى أن الشكوى ذهبت إلى النيابة التى فى عمل روتينى لها أرسلتها لجهات دينية. مجمع البحوث الإسلامية - منطقة الوعظ ولجنة الفتوى ببنى سويف - كما قال فيها وكيل مطرانية بنى سويف رأيا صحفيا رافضا لبعض عباراتها سعى أصحاب الشكوى لضمه لملف القضية مما جعله يعلن أن هذا رأيه لكنه ضد حبس أى كاتب كما أنه كما جاء فى رأيه نفسه لا يفهم فى النقد الأدبى. طبعا لجنة الفتوى ببنى سويف وقفت عند نفس العبارات وأوصت بمصادرة العدد وأيدت الشاكين فى أنه عمل يشجع على الفتنة والإلحاد وغير ذلك من الكلام الكبير لمجموعة قصصية فى زمن عزت فيه القراءة لمجموعات القصص. هناك ثلاث دراسات نقدية مهمة للأساتذة عبدالغنى داوود ومدحت الجيار ومى محمد رفعت والهامى سلامة ترى جميعها أن المجموعة هى فى حب الله على عكس ما يرى الشاكون، وأشاروا إلى الحقيقة الفنية وأن أى عبارات فيها اجتراء على الله هى عبارات شخصيات ضائعة لا تجد عدلا حولها ويطولها الظلم ولا تعرف لمن تلجأ إلا إلى الله الذى يترك هؤلاء الظالمين حولهم. هى يمكن أن تتشاجر حتى معه بالقول من فرط يأسها. وفى الوقت نفسه فنيا الأمر لا يعدو نكتة وتصويرا لأشخاص مجانين أحيانا أو ظرفاء أحيانا أخرى لا أكثر ولا أقل. ولأنها كلها شخصيا ريفية تتذكر قصصا قديمة مثل مأدبة من السما ليوسف إدريس ويوميات نائب فى الأرياف لتوفيق الحكيم أو حتى من المدن لنجيب محفوظ وقصة بنفس عنوان المجموعة اسمها أين الله ليوسف السباعى. موضوع مخاطبة الله قديم فى الأدب، وهنا لزيادة الظلم ترتفع نبرة الغضب أحيانا لكن فى النهاية يمشون فى نوره ويحبونه أو يتحول اليائسون إلى محل شفقة وسخرية من الآخرين. ثم السؤال الذى خفى على الجميع وهو الإهداء فى أول المجموعة القائل «إلى الفلاحين فى بلادى الذين علمونا حب الخير والإيمان». كأنه يقول بشكل واضح إن الشخصيات الجانحة هنا تعبر عن وضع استثنائى نتمنى الخروج منه. فهؤلاء هم من علمونا الإيمان. ثم الدعاء الذى يفتتح به الكاتب المجموعة القصصية وهو «أيها الرب المقامر على أفئدة الملايين المؤمنة بجبروتك ساعدنا وانشلنا من براثن التفكك والدمار - وبالمناسبة كلمة المقامر هنا لا تعنى لعب القمار لكن تعنى أن عبيدك قد يخذلونك ويملأون الأرض فسادا - أيها الرب تنتظرك أحزان النساء لتبهج المتبقى من العمر. أين أنت؟ فى كل عام يمر نتذكرك ونقول فى السنة القادمة. حتى يقول لكن السنة تمر والأخرى ونحن ننتظر قوتك وصوتك العالى كى يخرس الظالمين ويعيد للبيوت ضحكتها ويفتح للأصدقاء والمحرومين أبوابك المغلقة لتشبع من دفء حبك وعيونك المملوءة أملا. حتى يقول أيها الرب أنت الأمل. عد إلينا». وهكذا فالدعاء الجميل هذا رغم أنه من قلب اليأس فإنه التعليق على سذاجة الشخصيات وضياعها مقدما. فالله موجود فى جمل تقريرية واضحة هنا تخص الكاتب نفسه لا شخصياته وغيابه لأنه غاضب من أفعالنا ولا معنى لأى يأس قادم فى القصص ولا فيما يقوله المحبطون إلا أن تعرف أنهم يائسون محبطون. أين الله الآن؟ فى المحكمة هى التى ستحكم بالعدل الذى سيتوفر تماما حين يكون النظر للعمل باعتباره قصصا عن أشخاص ضائعة وليس الكاتب الذى هو محامٍ ناجح. ليس للكاتب فى هذا الكتاب غير المقدمة والإهداء. والله هو العدل.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري مهاجر

مقالة جميلة يا استاذ ابراهيم

عدد الردود 0

بواسطة:

لخضاري فتحي

اين حدودنا ؟

عدد الردود 0

بواسطة:

آمال الشاذلى

كلنا كرم صابر

عدد الردود 0

بواسطة:

الهامي سلامه

قراءه لمجموعه اين الله

عدد الردود 0

بواسطة:

باهر عادل

مقال رائع ودفاع عن الحرية

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة