المغتصبون الجدد

الثورات يخطط لها الدهاة أو «الأقدار» وينفذها الأبطال أو «الأغبياء»، ويجنى ثمارها السراق أو «الجبناء».. أيّما كان المخطط أو المنفذ أو الجانى، فالمؤكد أن المجنى عليه هى مصر.. ولأن مصر «باذخة» وسخية الثقافة، فقد تأخر الدور عليها كثيرا، لقد انشغلوا بهدم القضاء والإعلام والشرطة والجيش، ثم أدركوا أن الشىء الذى كان يجب البدء به، هو الثقافة، فلابد أن تغرقها بالتراب وتدفن وتُشيّع.. وينتحب من ينتحب ويعتصم من يعتصم، افعلوا ما شئتم فهم يملكون رئيسًا منتخبًا، ومخططا للهدم لأشياء كثيرة، الثقافة من أهمها، فلا يجب أن تكون لمصر ثقافة لأنها كالجريمة يجب محو آثارها، فالتمكين يبدأ فى الفرز الثقافى الذى هو أسوأ كثيرا وأكثر تأثيرا من الغزو العسكرى، ولهذا فالجماعة ومن يدعمها خارجيا وداخليا يخططون وينفذون ويفعلون، وأول الفعل المجىء بموظف «منزوع» القيمة والقامة لهذا المنصب، ولكنه نموذج واضح لتنفيذ فكر ومخطط الجماعة فى مصر، هو يقوم بثورة إصلاح كبرى، ويبرر أفعاله بأنه يكافح الفساد، وهو التبرير الجاهز، ولكن باطنه العذاب، إنه رجل إخوانى صحيح يقوم بثورة تصحيح تأخرت كثيرا وينفذ خطة إفقار وإفلاس مصر ثقافيا..حيث الثقافة، الثروة التى لا تنضب، ولكن آن لها فى عصر الجماعة أن تنضب وأن تكف عن الإقلاع حيث مكانها فى المخطط الجديد هو الهبوط. والهبوط هو المشروع القادم والقادم بقوة.. والهبوط غبار وأتربة تكتسح كل شىء وتعتم الرؤية، والجماعة الحاكمة تتفوق فى تطوير ثقافة الهبوط مع تقديم جميع تسهيلات الهبوط، إنها كالأفلام المحترقة التى أتلفتها فاجعة الضوء.. نحن أمام لحظة اغتصاب علنية.. نراها ونحتج ونعتصم ونتمرد ونرتدى السواد، ونعلن تأبين الأحلام أو الهروب من الوطن، والتأبين أو الهروب والاستكانة أو الاكتفاء بالتمرد «على الورق» ليست حلولا، فلابد أن نبدأ من نقطة الصفر لنصل إلى ساعة «الصفر» التى عملنا للوصول إليها وحلمنا بها ولكنها لم تأت ولابد من ثورة حقيقية تمتلك مشروعا، لا تختار أشخاصا بعصر الليمون أو بمراجعة سياسية أو بعناد فئة معينة، لابد أن ننحاز للمشروع والبرنامج وليس لجماعة أو أشخاص، ولابد أن نمتلك إرادة شعبية وثقافة وإيمانا بأن مصر لن تجبر على أن تبقى «حبلى» بكل هذه الأجنة العشوائية فى رحمها مهما جاهدوا لزرع بذورهم، فالجنين المشوه مصيره الإجهاض أو الفناء، ومصر لن تنجب من اغتصاب.