ناجح إبراهيم

د. العوا.. وصورة الخلافة فى العصر الحديث

الخميس، 16 أكتوبر 2014 06:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ناقشنا فى المقال السابق رأى د. العوا فى الصراع بين ثورة يوليو عامة، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر خاصة، والإخوان، وكذلك علاقة ثورة يوليو بالإسلام. وخلص د.العوا إلى أن ثورة يوليو لم تكن ضد الإسلام، أو خصمًا له، لكنها كانت فى حالة صراع سياسى حاد مع جماعة الإخوان المسلمين، مما أدى إلى آثار سلبية على مسيرة الدعوة الإسلامية. كما تناولنا فى المقال السابق فكر د. العوا فى التقريب بين السنة والشيعة، وقتلنا الأمر بحثًا، بما يغنى عن تلخيصه اليوم، إذ إن محاولة تلخيصه قد تخل بمعانيه.. واليوم نستكمل مناقشة فكر د. العوا فى بعض القضايا الحيوية المهمة، ومنها الآتى:

أولاً: التجديد الفقهى ضرورة لكنه لا يعنى إهمال فقه المذاهب القديمة

لن يكون هناك تجديد حقيقى فى الفقه إلا إذا تعلمنا فقه المذاهب الفقهية القديمة، ودرسناه جيدًا، ثم قرأنا واقعنا الحالى وأدركنا حاجاته ومتطلباته لنصنع اجتهادًا جديدًا يصلح له.

هكذا يرى د. العوا الذى تعلم فقه المذاهب الإسلامية القديمة، وأتقنه جيدًا، خاصة الفقه الحنفى، ثم لما اكتمل فقهه وعقله العلمى وقرأ الواقع السياسى والاجتماعى لأمته جيدًا بدأ فى الاجتهاد الفقهى عامة والسياسى خاصة، وهو يختلف عن دعاة التغريب الذين يريدون التجديد على أنقاض الفقه القديم، أو يريدون التجديد بهدم أصول الدين نفسها، أو التجديد بغير ضوابط، فتضيع الأصول وتنهدم الثوابت، فالتجديد الذى يبغيه د. العوا وأقرانه من المجددين المخلصين يدور حول المتغيرات فى الشريعة التى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والمصالح والمفاسد، وليس ثوابتها.

يقول د. العوا عن العلاقة بين فقه المذاهب الأربعة المعروفة، والتجديد الذى يعينه ما نصه: «ولست ممن يقولون بإهمال الفقه المدون على أصول المذاهب الإسلامية كلها، بثرائها وتنوعها، بل أنا ممن يرونه ثروتنا القانونية التى لا تماثلها ثروة أمة أخرى ولكننى أقول إن كثيرًا من المسائل التى تقع للناس اليوم تحتاج إلى اجتهاد جديد يؤدى دوره فى تيسير تطبيق الشريعة الإسلامية على واقع الناس، وفى تقريب العباد إلى الله سبحانه وتعالى».

ود. العوا يعتبر التجديد فى الفقه الإسلامى ضرورة ملحة، ليستطيع هذا الفقه العظيم استكمال دوره ونمو حياته وفاعليته فى خدمة المجتمعات الإسلامية، وبنائها على نمط صحيح، وأنه لولا هذا التجديد الفقهى لما بقى الفقه الإسلامى قادرًا على البقاء والنماء فى عالم متغير مهما يكن أساسه صحيحًا، وماضيه مضيئًا.

ثانيًا: رأى د. العوا فى مسألة الخلافة

يعتبر د. العوا نفسه من تلاميذ العلّامة والفقيه الشرعى والقانونى د. السنهورى باشا الذى كتب أفضل رسالة دكتوراة بالفرنسية عن الخلافة، ونال بها الدكتوراة من فرنسا.

ويكاد د. العوا يتطابق فكره فى مسائل الخلافة مع أستاذه د. السنهورى الذى يرى أن الصورة القديمة للخلافة غير ممكنة التطبيق فى ظروف الدول العربية والإسلامية الحالية، وأن النموذج الأقرب والأمثل والمتاح الآن لتطبيق الخلافة فى العصر الحديث هو نموذج الاتحاد الأوروبى الذى قطع شوطًا كبيرًا فى الوحدة بين دول أوروبية مختلفة اللغة والفكر والثقافة، وكانت بينها حروب مدمرة قتل فيها الملايين، خاصة فى الحربين العالميتين الأولى والثانية .

فهناك وحدة اقتصادية أوروبية حققت نجاحات كبرى، وهناك وحدة عسكرية متمثلة فى حلف الأطلنطى، وهناك برلمان مشترك، وعملة موحدة هى اليورو، واتحاد أوروبى سياسى مشترك ينسق السياسات الأوروبية المشتركة، والشاحنات تجوب أوروبا كلها دون جمارك، والفرد الأوروبى يتحرك من أول أوروبا لآخرها دون جواز سفر، والبضائع تخضع لجمارك والعمل لضرائب واحدة.

أما الذين ينادون الآن بعودة صورة الخلافة القديمة فهؤلاء لم يقرأوا واقعهم جيدًا، ولم يدرسوا جيدًا الواقع السياسى للدول العربية، والوضع الدولى الحالى، وأكثرهم لا يهمه المتاح، بل يهمه فى المقام الأول كيف يدغدغ عواطف البسطاء من سامعيه وتابعيه، ولا يدرك أن التدرج سُنة من سنن الكون، وأن المزايدة على المستحيل تضيع الممكن ولا تأتى بالمستحيل، فهل تقبل اليوم السعودية أو الإمارات أو قطر أن تندمج مخابراتها وجيشها مع الصومال أو العراق، أو تقبل مصر أن يندمج جيشها أو مخابراتها مع المخابرات الليبية أو السورية أو اليمنية؟!

إن أكثر هؤلاء لم يقرأ ما كتبه ابن قيم الجوزية فى كتابه الشهير «الطرق الحكمية»: «إن أى طريق أسفر به وجه الحق والعدل فثم شرع الله ودينه»، فالأحكام تدور مع عللها وجودًا وعدمصا، وكل ما يحقق وحدة الشعوب الإسلامية والعربية أو يقرب إليها فهو من الطاعات والقربات والواجبات.

ويرى د. العوا- كما يرى د. السنهورى- أن بقاء الحاكم أو الخليفة مدى الحياة كما كان يحدث من قبل فى أيام الخلافة الأولى، أو فى عهد الأمويين والعباسيين وما بعدهما، لا يحقق العدل فى الحكم فى هذه العصور، وأن استمرار الحاكم مدى حياته يدعو إلى الظلم، ويقربه من الاستبداد، وقد نهت الشريعة الغراء عنهما وجاءت بالعدل.

ثالثًا: رأى د. العوا فى التعددية السياسية

كان د. العوا من أوائل من رأى أن الإسلام لا يرفض التعددية السياسية، بل يدعو إليها، وقد نشر هذا الرأى كثيرًا، وسبق به الكثيرين فى مصر وغيرها، وكان يكرر أن الإسلام إذا كان قد أقر التعددية داخل الدين نفسه، وذلك بإقراره المذاهب الفقهية المتعددة، فكيف لا يقر التعددية فى مسائل الدنيا، فى الزراعة والصناعة والسياسة والتجارة والاقتصاد والعلاقات الدولية. فالمسلمون الأوائل أقروا جميعًا وجود 10 مذاهب فقهية كبرى، منها الأربعة المعروفة، وهى تعددية داخل الدين، فكيف لا تكون هناك تعددية فى أمور السياسة والدنيا؟! وكان يردد كلمة د. القرضاوى الشهيرة: «الأحزاب مذاهب فى السياسة والمذاهب أحزاب فى الفقه».

وكان د. العوا يقول: «إن التفرد بالرأى مفسدة، وطغيان الحاكم مفسدة، وإكراه الناس على أن يكونوا فى إطار سياسى واحد بفكر واحد مفسدة، وحرمان بعض الأمة من الحق فى العمل السياسى الحر مفسدة، والحرية أصل من أصول الإسلام، وحق الناس فى الاجتماع على رأى واحد هو أحد فروع هذه الحرية»، وينبنى على ذلك الحق فى التعددية السياسية، والتنوع السياسى والفكرى مادام لا يصطدم بثوابت الشريعة.

وقد ذكر لى د. العوا أن مكتب إرشاد جماعة الإخوان قد استدعاه فى أوائل التسعينيات لمحاسبته على إقراره ودعوته للحزبية والتعددية السياسية، وكان على رأسه المرحوم المستشار الهضيبى الابن، ومصطفى مشهور، ود. أحمد الملط، وآخرون، فظل يناقشهم لأكثر من ساعة، ويسرد لهم الحجج السابقة دون أن يستطيعوا الرد الفقهى والشرعى على حججه سوى بالإصرار على القديم الذى ألفوه، وأن التعددية فُرقة، وأن الأحزاب قسمان، حزب الله وحزب الشيطان، ونحو ذلك من الأدلة العامة المعروفة.

وهذا يبين أن د. العوا كان سابقاً لعصره فى التجديد الفقهى عامة، والتجديد فى الفقه السياسى خاصة.. رحم الله الجميع وغفر للجميع.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة