طارق ناجح يكتب: عندما يتكلَّم الحُبّ .. يَصمُت العُشَّاق

فى ليلة من ليالى شتاء عام ١٩٩٦م .. ليلة غاب فيها القمر، وفى ضاحية المعادى، وفى أحد شوارعها ذات الضوء الخافت الهادئ.

كان الشارع يخلو من المارة إلا شبحين.. شبحان لشاب وفتاة، كان يَلِّف ذراعه حول كتِفيهَا بينما تحتضن خِصرهُ بذراعيها، وتميل برأسها على صدره، وكأنما تحتمى به من نسمات الهواء الباردة التى أضفت على المكان شيئًا من السحر والغموض.

لقد كانا هذا الشاب، وهذه الفتاة خطيبين يخطوان خطواتهما الأولى نحو الحياة والحُبّ .. الصعب والمجهول.

قال لها : لقد تم تعيينى اليوم فى أحد قطاعات الحكومة.
نظرت إليه نظرة باسمة، وقالت ساخرة: إذاً أنت مدين لى بدعوة للغداء أو للعشاء.
أجابها وهو يضحك بسخرية ومرارة: هل تعلمين أن راتبى شهرياً لن يزيد عن ١٥٠ جنيهًا فقط لا غير، كيف سنستطيع الحياة بهذه الجنيهات التى تبدو وكأنها إعانة فقر وليست راتبًا لوظيفة ؟! هل ستكفى هذه الجنيهات الطعام والشراب والمسكن والملبَّس، وأبسط ضروريات الحياة ؟! سُحقاً لهذا الزمان الذى أصبح فيه الراقصات وتُجَّار المخدَّرات، وبائعو الأحلام والرغبات هم من يغرقون فى المال والخيرات !!

قالت له والحيرة والشجن يزحفان على ملامح وجهها: لا تيأس يا حبيبى! فنحن ما زلنا فى بداية المشوار، وأنا أستطيع أن أعمل أيضاً. وراتبى إلى جانب راتبك سيجعلانا على قَيْد الحياة، المهم يا حبيبى هو رغبتنا فى الحياة، التى يجب أن تكون أقوى من أى شىء .. أقوى من الوهم والسراب .. أقوى من الضعف والاكتئاب .. أقوى من الغيوم والضباب.

نظر إليها فى دهشة وسخرية قائلاً: ما كل هذه الفلسفة ؟! هل تَعَلْمتٍيها أم استلهمتيها أم اكتسَبْتٍيها من الحياة التى أخرجت أعظم الفلاسفة والحكماء .؟! على كل حال أعتقد أنكِ على حق! إذا عشنا حياتنا بالورقة والقلم، لن نجن سوى العذاب والألم.

قالت له: دَعْكَ من هذا الكلام الكئيب، ولنستمتع بلِيلتِنا الليلاء التى سيضيئها وهج حُبَّنا، ونار عِشَقنا، ولهيب شوقنا.

حينئذ أخذها بين ذراعيه، واحتوى شفتاها بــ شفتيه، وضَمَّها بقوة إلى صدره، وكأنه يَضُمْ كل سنوات عُمره.