وفقى فكرى يكتب: لا تسألنى عن اسمى

الخميس، 02 أكتوبر 2014 02:15 ص
وفقى فكرى يكتب: لا تسألنى عن اسمى ورقة وقلم - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت النهاية قبل البداية، واختفت فى الضباب وأصبحت كالسراب، لا وجود لها ولا علامة على وجودها، جميع أماكنها التى اعتادت أن تجلس فيها أو تنتظرنى بها لم تعد موجودة، لقد أزالوها ومحوها من الوجود، أو ربما هى طلبت منهم أن يزيلوها عن قصد وعمد، لا أدرى ماذا حدث ولم تعطنى الفرصة أن أسألها لماذا ستختفى فجأه، وما السبب الذى دفعها لارتكاب هذا الجرم فى حقى وماذا فعلت أنا.

قد يكون جلوسها على مقعد محطة الأتوبيس هو علامة على رحيلها يوما، أو ربما جاءت الحافلة التى أرادت أن تستقلها، قد لا يكون اختفاء ربما يكون انسحابا أو مللا من حديثى، فأنا بالفعل كثير الكلام، ولكن ليس ذنبى، لقد وجدت طفلة تجلس على مقعد لمحطة الحافلات، تنتظرها وتنكمش فى رعب وكأنها خائفة من شىء ما، لا أدرى ما هو ذلك الشىء الذى يرعبها، اقتربت منها ودفعتنى تعبيراتها المتناقضة أن أسألها، ماذا تنتظرين يا صغيرتى، فأجابتنى أنتظر الحافلة ولكنى خائفة، وجدت وجهها له إشراقة الأطفال وبشارة المستقبل المضىء، فضولى دفعنى أن استوضح منها مما تخاف، فلا داعى للخوف المكان أمن وملىء بالناس، وضوء النهار يسطع فى كل مكان، فمما الخوف، فجاوبتنى بدهشة، لا أعرف، ولكنى أشعر دائما بالخوف، ولا تسألنى لماذا، فهذا طبعى أن أخاف من كل شىء وأى شىء.

عجبا لها وعجبا لشعورها، ولكنها مميزة، وكما أن شعورها غريب، فشعورى أنا أيضا غريب اتجاهها، وهذا شدنى إلى أن أتحدث معها، ربما لأبعد عنها هذا الخوف، أو قد يكون لأنى اعجبت بملامح وجهها وشعورها الغريب.

يبدو أن هذه الصغيرة غريبة الأطوار، وتلك ميزة أخرى ولا يفهمها الكثير، وأنا أيضا قد أكون مثلها، وتلاقت أرواحنا فى هذه النقطة، فأنا لم أقصد حين قابلتها أن تشعر معى بالملل فى النهاية، حتى وإن طالت أو قصرت مدة مكوثى معها، فقد بقيت لأيام أمر بهذا المكان وتلك المحطة، فأجدها تجلس نفس الجلسة وتنتظر، فأجلس بجوارها لأتحدث معها، وشعرت بالصغيرة تستمتع بحديثى، أو أننى بهذه الطريقة أبعد عنها شعور الخوف، ولعلنى فسرت حرصها أن تكون متواجدة كل يوم بذات المكان، أنها تعلقت بالحديث معى، أو أنها وجدت الأمان وتشعر به فى لحظات جلوسى بجانبها، شعرت فى حواراتى معها والتى امتدت باستمتاع بالغ لأوقات لم أحسبها أننى أتكلم مع بالغة وليست طفلة، شعرت أنى أنا الطفل وتحول عقلى إلى سلوك الصبى، فعلى الرغم من التفاوت الكبير بيننا فى العمر والخبرات وكل شىء لم أشعر للحظة أننا كذلك، فهى لديها عقل ناضج وملىء بالحكمة.

يوما مثل كل الأيام الذى عشقت فيه أن أمر بهذا المكان، فأجد إشراقة وجهها وقد تحول من الخوف إلى الاطمئنان بمجرد أن ترانى، كل يوم أردت أن أسألها عن اسمها ولكنى كالعادة أنسى من فرط إعجابى بها، لكن فجأه تداركت الموقف فى هذا اليوم فبادرتها بالسؤال "لقد نسيت أن أسألك عن اسمك"، تأخرت قليلا عن الجواب ثم قالت "لا تسألنى عن اسمى، فيوم أن تعرفه لن تجدنى "استغربت كثيراً لذلك وملأت الدهشة ملامح وجهى، ولكنى تداركت واعتبرت إجابتها نوع جديد من الغموض الذى يجب أن أضمه إلى قائمة غموضها، ولا داعى لأن أجبرها على ذلك، وبالفعل راودنى إحساس بالخطر، وخشيت أن قالت لى عن اسمها أن تختفى، وأنا من بلغ بى التعلق مبلغه حتى أننى لم أعد أتصور أن يأتى يوم ولا أجدها.

تمر الأيام وتتوالى إشراقات الشمس، ويأتى ضوء النهار وينجلى الليل، ويزاد تعلقى بتلك المحطة وبكل كرسى خرسانى بها، وبمن تجلس عليه كل يوم تنتظرنى، تناقشنا فى كل شىء، وتعلمت منها كل شىء، وضافت لى الكثير وكانت تمر بنا الساعات وكأنها لحظات، ولكنها كبرت وترعرعت وأصبحت بالغه ناضجة فى عيونى وكأننا قضينا سنوات على المحطة، تمر أمامنا العشرات من الحافلات كل يوم ولم تستقل يوما واحدا منها، لم أفكر أن أسألها يوما لماذا لا تستقل إحداها، قد أكون لا أشعر بمرورهم أمامى، أو أن عقلى يرفض أن تذهب وأصبحت على يقين أنى سأجدها فى اليوم التالى.

مرت حافلة بجوارنا، مثل كل الحافلات التى كانت تمر كل لحظة، ولكنها فجأة توقفت عن حديثها معى على غير العادة، ونظرت للحافلة بتأمل ثم تحولت إلى وجهى بنظرة فاحصة ثم قالت "أنا سمى فرحة" فتمددت حدقة عينى لتتلقى ضوء الإبهار المفاجئ الذى فاجأتنى به، فرحت كثيرا، واعتقدت أن الثقة وصلت بيننا إلى حد أن تأتمنى على اسمها، كل المشاعر الجميلة اجتمعت داخلى حين عرفت أخيراً اسمها.

رجعت إلى بيتى وليلا تذكرت قولها "لا تسألنى عن اسمى، فيوم أن تعرفه لن تجدنى" ولكنى لم أسألها، هى من قالت لى بمحض إرادتها، لا يمكن أن ترحل، أنا لم أسأل لها بشىء فلماذا ترحل.

شعورى كان يحدثنى طيلة الليل على أننى لن أجدها غدا، ظللت أعد الساعات حتى جاء الميعاد اليومى، انطلقت بسرعة إلى المحطة متلهفا فلم أجدها، كذبت إحساسى رغم الرعب وقبضة الروح التى سيطرت على أحشائى، حدثت نفسى ربما تأخرت لسبب ما وستأتى.

جلست أنتظر على الكرسى الخرسانى بمحطة الحافلات، ولم تأت ويبدو أنها لن تأتى، فتذكرت أنها قالت لى اسمها، الآن فهمت معنى نظرتها الفاحصة لى لحظة وصول الحافلة، لقد حان ميعاد الرحيل ولكنها لم تشأ أن تقول لى، فضلت الرحيل فى صمت.

لقد وهمت يوما، أن أداوم على حوار دائم بمحطة حافلات هى نفسها دائمة التغيير، أصررت ألا أفقد الأمل ومررت اليوم التالى على المحطة لعلها تأتى، ولم أجدها، ولم أجد المحطة، لقد أزالوها على ما يبدو ولم يبق لها أثر، هل هذا معقول لا أثر، كيف يحدث ذلك، أين محطة الحافلات؟ أين المقاعد الخرسانية التى كانت هنا؟ لا أثر لأى شىء.

سألت أحد المارين بالمكان، استفسرته عن المحطهة، نظر إلى فى استغراب وكأنه ينظر إلى مجنون قد ذهب عقله وقال "لا يوجد محطه للحافلات هنا"، ولكننى متأكد أن المحطة كانت موجودة وحتى أمس.

سألت آخر وسألت آخرين، سألت الجميع، فأكدوا لى أنه لا وجود لمحطة للحافلات هنا ولم تكن يوماً موجودة، قد أكون مجنونا، قد يكون حلما، قد يكون وقد يكون، ولكن الذى أعلمه جيدا أنى جلست يوما على محطة الحافلات والتقيت الفرحة التى يوم أن عرفتها كانت النهاية قبل البداية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة