أكرم القصاص - علا الشافعي

د.أشرف إسماعيل عزب يكتب: حرية التعبير الضوابط والحقوق

الإثنين، 20 أكتوبر 2014 10:00 ص
د.أشرف إسماعيل عزب يكتب: حرية التعبير الضوابط والحقوق ندوة - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تثير قضية حرية التعبير جدلًا واسعًا فى المجتمعات العربية بصفة عامة وفى المجتمع المصرى بصفه خاصة، فقد استحوذت تلك القضية على حيز كبير من اهتمامات وسائل الإعلام المصرية سواء المقروءة أو المرئية أو المسموعة، حيث خصصت لها مساحات واسعة لمناقشة كافة الجوانب المتعلقة بممارسة حرية التعبير، وخاصة فى أعقاب ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو عام 2013، والتى نتج عنهما حدوث نضج سياسى لدى الشعب المصرى بكافة طوائفه.

ونظرًا لأهمية هذا الموضوع الذى يشغل بال الكثيرين فى المجتمع المصرى، وجدنا من الواجب علينا أن نلقى الضوء عليه من خلال بيان مفهوم حرية التعبير وتقدير مدى أهميتها فى المجتمع وطبيعة القيود التى يمكن أن تحمل بها تلك الحرية والمبررات الداعية لفرضها.

ففى البداية نشير إلى أن حرية التعبير تعنى – بوجه عام – التزام الدولة بتمكين المواطنين بعرض آرائهم على اختلافها ونشرها بكل الوسائل، فحرية التعبير إذن ما هى إلا وسيلة للتعبير عن الذات فأهم مجال يحرص كل إنسان على التعبير عن ذاته فيه هو رأيه الشخصى الذى يحمل ما فى وجدانه وعقله من فكر، ويحرص على أن يبرز رأيه أمام جماعته وأقرانه وخاصة فى الموضوعات التى تهمهم أو تشغل بالهم.

وعلى هذا النحو تتسم حرية التعبير بعدة سمات، منها أنها وسيلة للتعبير عن الذات، ومن ثم يتلاقى الأفراد من خلال ممارستها بالمجتمع، ويتفاعلان تفاعلاً تحتاجه الذات الفردية، كما تحتاجه متطلبات الحكم الرشيد للجماعة، كما أن من سماتها أيضًا أنها وسيلة لتقدم المجتمعات وترشيدها باعتبارها ركيزة من ركائز الديمقراطية.

وقد نصت المادة (65) من الدستور المصرى الحالى على الآتى:

"حرية الفكر والرأى مكفوله، ولكل إنسان حق التعبير عن رأية بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".

والحقيقة التى لا مراء فيها أن لحرية التعبير أهدافا لا يجب أن تحيد عنها، ولا يتصور أن تُسخر لسواها، تتمثل فى أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جلياً، ولا يتصور أن يتحقق ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض وقوفاً على ما يكون منها زائفاً أوصائباً منطوياً على مخاطر واضحة أو محققاً لمصلحة مبتغاه.

ومما لاشك فيه أن الدستور لا يرمى من وراء ضمان حرية التعبير أن تكون مدخلاً إلى توافق عام، ولكن بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلا فى نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها ولا تكون لها من فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارا لا يتهيبون موقفاً، ولا ينتصفون لغير الحق طريقاً، لذا فقد تغيا الدستور بصونها أن يكون كاملاً لتعدد الآراء وإرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل ومحدداً لكل اتجاه، فضلاً عن هيمنة مفهوم هذه الحرية على مظاهر الحياة بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على الرأى العام للمواطنين.

ولما كانت المحكمة الدستورية العليا هى الجهة المنوط بها صون الدستور وحمايته من مخالفة أحكامه، وهى الضمان الأكيد لحماية الحقوق والحريات العامة فى المجتمع المصرى من تعسف السلطة التشريعية واستبدادها، فقد حرصت تلك المحكمة على التأكيد على عدم جواز وضع قيود تؤدى إلى قمع لحرية التعبير، بقولها "إن حرية التعبير وتفاعل الآراء التى تتولد عنها لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها، بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التى تجول فى عقولهم، فلا يتهامسون بها نجياً، بل يطرحونها عزماً – ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثاً من جانبهم – وبالوسائل السليمة – لتغيير قد يكون مطلوباً، فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكناً فى غيبة حرية التعبير".

وبهذه المثابة تكون حرية التعبير التى كفلها الدستور هى القاعدة فى كل تنظيم ديمقراطى، لا يقوم إلا بها، وكلما أعاق القائمون بالعمل العام أبعاد هذه الحرية، كان ذلك من جانبهم هدماً للديمقراطية فى محتواها المقرر دستورياً، وإنكاراً لحقيقة أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها، وأن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها، فلا يعطل مضمونها أحد، ولا يناقض الأغراص المقصودة من إرسائها.

ولئن كانت حرية التعبير حقاً دستورياً راسخاً – على نحو ما أسلفنا – إلا أنه من الثابت والمعلوم أن كل حق – على أى حال - يقابله دائماً واجب، وكل حرية تلتزم بضوابط تكفل تحقيق الهدف التى شرعت من أجله.

وتوجد فى الواقع العملى عدة اعتبارات تبرر وضع ضوابط لحرية التعبير منها وجود ضرورات مجتمعية ملحة، فضلاً عن وجود مصلحة عامة تستوجب فرضها، فمتى توافرت تلك الاعتبارات فى أى مجتمع فلا مناص من وضع ضوابط لممارسة حرية التعبير.

وعلى الرغم من قناعتنا بإمكانية تقييد حرية التعبير للاعتبارات التى عرضناها ، إلا أنه يجب أن تكون هناك – فى ذات الوقت – ضوابط أخرى تحكم تلك القيود حتى لا يؤدى تنظيم هذا الحق إلى المساس بأصله أو جوهره، وهو الأمر المحظور صراحة بمقتضى نص المادة (92) من الدستور المصرى الحالى والتى قضت بأنه لا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها أوجوهرها.

وتتمثل الضوابط التى يجب أن تحكم تقييد حرية التعبير فى ضرورة تناسب القيد مع الغرض المشروع الذى يستهدفه، وضرورة توافق القيد مع متطلبات النظام الديمقراطى، فضلاً عن خضوع السلطة التقديرية للدولة فى تنظيم هذه الحرية للرقابة الصارمة التى تضمن عدم مساسها بأصل هذه الحرية أو جوهرها.

ومما لا شك فيه أن الظروف الراهنة التى يمر بها المجتمع المصرى بأسره تمثل – فى نظرنا – ضرورة مجتمعية ملحة مبررة لوضع قيود لحرية التعبير، إلا أنه يتعين ألا يؤدى الأخذ بالرأى الذى ننادى به إلى التضحية بالضوابط الحاكمة لفرض تلك القيود على نحو ما بينا.
حفظ الله مصر وشعبها العظيم









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة