أكرم القصاص - علا الشافعي

عطر الأحباب..أجمل أفلام طه حسين للسينما أخرجه بركات عام 1959..دعاء الكروان.. أنشودة عشق وانتقام وإدانة لزمن وأفكار وعادات وتقاليد!..عميد الأدب يوافق على أن يسجل بصوته جملة يختتم بها الفيلم!

الجمعة، 24 أكتوبر 2014 01:15 م
عطر الأحباب..أجمل أفلام طه حسين للسينما أخرجه بركات عام 1959..دعاء الكروان.. أنشودة عشق وانتقام وإدانة لزمن وأفكار وعادات وتقاليد!..عميد الأدب يوافق على أن يسجل بصوته جملة يختتم بها الفيلم! فيلم دعاء الكروان
إشراف - ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نفلا عن اليومى..

تنفتح الشاشة على مشهد ساحر من الطبيعة، حيث الفضاء الشاسع بسمائه الصافية، وحيث مجموعات من النخيل السامق تخترق هذا الفضاء، بينما صوت الكروان يتسلل بخجل ليتبدد بهدوء، مفسحًا المجال لموسيقى أندريه رايدر ذات الإيقاعات الشجية التى تأسر المشاهد منذ اللقطة الأولى.

هذا أول مشهد فى فيلم «دعاء الكروان»، مصحوبًا بكتابة أسماء العاملين، ولم ينس المخرج بركات أن ينوه إلى أن الفيلم مأخوذ عن القصة الخالدة للدكتور طه حسين.
...

الدور الخالد

ليست القصة وحدها هى الخالدة، بل صاحب القصة أيضًا، هذا الرجل الذى ليس مثله أحد فى تاريخنا الثقافى على مر العصور، أو القرون العشرة الأخيرة على الأقل، فطه حسين قاد حركة جبارة لإعادة البهاء للعقل المصرى بعد أن ظل أسيرًا للخزعبلات والخرافات دون تذمر من قرن إلى آخر، وإذا كان قد ولد فى 14 نوفمبر من عام 1889 فى بؤرة من الفقر والجهل والمرض، فإنه تمكن من قهر عتمة أيامه، متحديًا المستحيل، قاهرًا الصعاب حتى بلغ شأوًا عظيمًا لم يبلغه أحد من قبله، ولا من بعده حتى الآن!

حين نال درجة الدكتوراة من الجامعة المصرية عام 1914 وذهب إلى باريس، تغيرت حياته وحياتنا إلى الأبد، ولما عاد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عمل بالجامعة حتى وصل إلى منصب عميد كلية الآداب عام 1932، لكنه ألقى بحجر فى بحيرة الفكر الآسن سنة 1926 حين أصدر كتابه القنبلة «فى الشعر الجاهلى»، ليؤسس لمنطق جديد فى مناقشة الأمور وتأملها.. منطق يتكئ على إعمال العقل قبل أى شىء عند مناقشة أى قضية، حتى لو تعارضت النتائج مع ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا.
...

فى سنة 1950 تولى طه حسين وزارة المعارف، وأطلق نداءه الشهير «التعليم كالماء والهواء يجب أن يكون بالمجان».. لا تنسَ أنه فى ذلك الزمن كان الماء والهواء بالمجان، وليس كما الآن. على أية حال استلهم ضباط يوليو مقولته هذه وطبقوها، فتلقت أجيال التعليم فى المدارس والجامعات بالمجان، والفضل يعود إلى هذا الرجل البصير.

طه فى السينما

أظنك تعلم أن علاقة الدكتور طه حسين بفنون المسرح عميقة وأصيلة، فقد ترجم بعض النصوص المسرحية الكلاسيكية من الأدب اليونانى، كما أوفد بعض الطلاب لدراسة المسرح فى أوروبا حين كان وزيرًا للمعارف، لذا لم يفاجأ جمهور مطلع الخمسينيات حين توجهوا إلى السينما ليشاهدوا فيلم «ظهور الإسلام»، حين طالعوا أن هذا الفيلم عن قصة وحوار عميد الأدب العربى طه حسين باشا، وقد كتب تحت العنوان بخط صغير «الوعد الحق»، وهو الكتاب الشهير للأستاذ العميد، كذلك لاحظ الجمهور أن من كتب السيناريو هو طه حسين باشا نفسه مع مخرج الفيلم إبراهيم عزالدين، وقد عرض هذا الفيلم النادر فى 19 إبريل 1951.
...

المدهش أن الفيلم ضم مجموعة من الوجوه الجديدة الذين صاروا نجومًا كبارًا فيما بعد، مثل أحمد مظهر، وكمال ياسين، وتوفيق الدقن، وسعد أردش، أما النجوم فكانوا عماد حمدى، وكوكا، وعباس فارس، وسراج منير. ولعلك لا تعلم أن لقب «باشا» الذى اقترن بـ«طه حسين» فى مقدمة الفيلم قد منحه إياه الملك فاروق حين حضر إحدى المناسبات، وبعد أن ألقى طه حسين كلمته أمام الملك وأخذوه ليصافح صاحب الجلالة، قال له فاروق «أحسنت يا باشا»، وهكذا صار الأساذ العميد «باشا» بأوامر ملكية كما ذكرت زوجته الفرنسية سوزان فى كتابها الجميل «معك».
...

الكروان الباكى

ريادة طه حسين تتمثل فى اقتحامه مجالات مختلفة من الإبداع، فقد ترجم وكتب فى النقد النظرى والتطبيقى، أما الرواية فاقترب منها غير مرة، وأبدع فيها، تاركًا لنا مقطوعات حية من النثر الجميل، وها هى تحفته الخالدة «دعاء الكروان» تفتن المخرج بركات، فيقرر إنتاجها لحسابه بعد أن كلف يوسف جوهر بكتابة السيناريو والحوار، وقد عرض الفيلم فى 22 سبتمبر 1959.
...

الفيلم يد إدانة شاملة لعادات وتقاليد تتعامل مع المرأة باستخفاف واحتقار، ولا تعترف بحقها فى الحب، وتدافع هذه التقاليد عن الرجل الغاشم الغليظ الذى يقتل ابنة شقيقته لأنها أحبت ومنحت من تحبه بسخاء.
أعلم أنك شاهدت الفيلم غير مرة، لكننى أرجوك تأمل أداء فاتن حمامة، وأحمد مظهر، وأمينة رزق، وكيف تتحول مشاعر السخط إلى محبة، وكيف تدفع الجريمة التى ارتكبها الخال - عبدالعليم خطاب - الفتاة آمنة إلى الغرق فى الأسئلة الكبرى حول الموت والحياة والحساب والعقاب، وقد أبدع أندريه رايدر فى وضع موسيقى تصويرية بالغة الشجن والعذوبة حتى صار ت رمزا لهذا الفيلم البديع فى تاريخنا، خاصة وأن الأستاذ العميد وافق على أن يسجل بصوته الرخيم الجميل عبارة يختتم بها الفيلم.
يبقى لنا مع صاحب «الأيام» فيلم واحد هو «الحب الضائع»، إذ كتب فى المقدمة أنه قصة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وإخراج بركات، وسيناريو وحوار يوسف جوهر، وبطولة سعاد حسنى، ورشدى أباظة، وزبيدة ثروت، وقد عرض فى 20 أكتوبر 1970، وهو فيلم جميل ربما نتحدث عنه بالتفصيل فى مقال آخر.
...

أما فيلم «قاهر الظلام» إخراج عاطف سالم، فكتب قصته كمال الملاخ، وسيناريو وحوار رفيق الصبان، وسمير عبدالعظيم، وصبرى موسى، وعرض فى 19 فبراير 1979، وهو يمر مرورًا سريعًا على حياة أعظم مثقف مصرى وعربى فى القرن العشرين، وقد أدى دوره النجم محمود ياسين، ولا أظن أن الفيلم حقق النجاح المأمول، بعكس المسلسل الدرامى «الأيام» الذى أخرجه يحيى العلمى، وجسد شخصية الأستاذ العميد النجم الموهوب أحمد زكى.
...

على أى حال.. ستظل الثقافة المصرية، والسينما فى قلبها، مدينة لطه حسين الذى تحل ذكرى رحيله الواحد والأربعين يوم 28 أكتوبر، ويا لها من ذكرى!

...

...


موضوعات متعلقة..


محمد سالم يكتب:48 عاماً على رحيل صاحب «ماما زمانها جايه»..محمد فوزى.. مطرب البهجة وصانع ابتسامات الأطفال..أسس شركة أسطوانات فحرر الأغنية العربية من احتكار الأجانب

سامح فتحى يكتب:آخر أعمال ريجان السينمائية وأول بطولة للنجم لى مارفن..«القتلة» بعد خمسين عاماً ما زال من أعظم أفلام الجريمة

حازم حسين يكتب:125 عامًا على التجلِّى و41 على الارتقاء..طه حسين.. العقل البصير وثمرة قرن من النهضة والتحديث والمشروع الوطنى التحرّرى









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة