أكرم القصاص - علا الشافعي

فضيلة المفتى د. شوقى علام يكتب: الخطاب الدينى.. ودروس من الهجرة النبوية.. أول ما ينبغى أن يتوقف عنده الخطاب الدينى فى دروس الهجرة هو بيان إخلاص المؤمن وولائه لدينه

السبت، 25 أكتوبر 2014 08:17 ص
فضيلة المفتى د. شوقى علام يكتب: الخطاب الدينى.. ودروس من الهجرة النبوية.. أول ما ينبغى أن يتوقف عنده الخطاب الدينى فى دروس الهجرة هو بيان إخلاص المؤمن وولائه لدينه المفتى د. شوقى علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة لم تكن مجرد حدث، إنما هو حدث مقصود من الله تعالى ومأذون فيه منه، كانت الهجرة منظومة من الدروس والحكم والعبر، والتضحية والعطاء، فلقد خلقت المسلمين خلقًا جديدًا، وحولتهم من الضعف إلى القوة، ومن القلة إلى الكثرة، ومن الذلة إلى العزة.

واليوم يحتفل المسلمون بمرور ألف وأربعمائة وخمسة وثلاثين عامًا مضت على تلك الرحلة العظيمة التى أسست لدولة المسلمين فى المدينة المنورة، وكانت انطلاقًا لدعوة النبى خارج إطار المحلية إلى نطاق أرحب وأوسع، والخطاب الدينى ينبغى أن يستغل هذه الأحداث العظيمة ليخرج منها بالدروس والعبر، وبيان كيف ضحى النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته من أجل نشر الدعوة وتثبيت أركان الدولة الإسلامية.

ليس المطلوب من القائمين على الخطاب الدينى والدعاة سرد الأحداث الخاصة بالهجرة بقدر ما هو مطالب منهم البحث عن المعانى المستخلصة من هذه الأحداث، فالسيرة النبوية قبل أن تكون أحداثًا تروى هى أحد مصادر التشريع، ولا ينبغى أن تمر مرحلة منها دون البحث فى ثناياها لاستخراج اللآلئ، ونحن اليوم نحاول استخراج بعض العبر والدروس من هذه الرحلة النبوية المشرفة.

وأول ما ينبغى أن يتوقف عنده الخطاب الدينى فى دروس الهجرة هو بيان إخلاص المؤمن ووفائه لدينه، وكيف تحمل النبى وأصحابه إيذاء قريش لهم فى سبيل نصرة هذا الدين، فقد كانوا فى فتنة عندما أوذوا وعذبوا لأجله، ولما أذن الله لرسوله بالهجرة أصبحت فتنتهم فى ترك الأموال والأهل والوطن، لكن وفاءهم وإخلاصهم لدينهم ولربهم جعلهم أثبت ما يكونوا أمام هذه الفتن، ومع إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بالهجرة تركوا الأهل والمال والوطن نصرة لدين الله، وهذا هو المسلم الحق الذى إذا أخلص لدينه لا يبالى بشىء إنما هدفه سلامة دين الله تعالى.

فالهجرة فى بدايتها كانت تجسد معنى التوكل على الله، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم متوكلاً على ربه تعالى، واثقًا من نصره، ويعلم أن الله كافيه وهو حسبه، متمثلاً قول الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}، إلا أنه مع هذا التوكل قد أخذ بالأسباب، فأعد العدة للأمر ووضع الخطة له، وذهب إلى أبى بكر رضى الله عنه ليخبره بالأمر، وجهزوا الركب واختاروا الغار ودليل الرحلة، والبديل عن النبى فى فراشه، ومن يُحضر الطعام لهم وموعد الانطلاق الذى حدده رسول الله، وهنا تتجلى قيم الأخذ بالأسباب وعدم التواكل، وحسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واختيار أفضل الأسباب والسبل، وهذه دروس عظيمة للأمة الإسلامية لا فكاك لها من أن تحذو حذوها.

ومن الدروس التى يجب أن نقف عندها فى هذه الرحلة بيان قيمة الوفاء، هذه القيمة التى ربما غابت عن كثيرين، وفاء الصديق لصديقه، فقد كان أبو بكر -رضى الله تعالى عنه- نعم الصديق الوفى لصديقه، والصاحب الصادق، بل والمضحى بروحه وما يملك من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رأينا أنه كيف كان يسبق النبى -صلى الله عليه وسلم- فى دخول الغار كى يجعل نفسه فداء له، وكيف جنَّد أمواله وأبناءه وراعى غنمه فى سبيل خدمة رسول الله فى هذه الرحلة الشاقة المباركة، وهذا هو الذى يجب أن يكون عليه حال المسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".

ومن دروس الهجرة بيان ما للمسجد من قيمة عظيمة، فأول ما قام به النبى صلى الله عليه وسلم حال استقراره فى المدينة بناء المسجد، ذلك أن المجتمع المسلم إنما يكتسب صفة الرسوخ والتماسك بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه، وإنما ينبع ذلك كله من روح المسجد ووحيه، كما أن من نظام الإسلام وآدابه شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين، وهذا ما تحقق فى المدينة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

ومن نظام الإسلام وآدابه أن تشيع روح المساواة وسيادة القانون والعدل فيما بين المسلمين فى مختلف شئونهم وأحوالهم، وأن ينصهر أشتات المسلمين فى بوتقة من الوحدة يجمعهم حبل الله تعالى الذى هو حكمه وشريعته، وعليه فقد ظهرت قيمة المسجد فى اجتماع المسلمين على تعلم حكم الله وشريعته ليتمسكوا بها عن معرفة وعلم، ولأجل تحقق هذه المعانى فى المجتمع المسلم وفى الدولة الإسلامية أسرع النبى قبل كل شىء ببناء المسجد.

ومن الدروس العظيمة التى نستقيها من معين الهجرة المؤاخاة، وهو أساس عظيم اعتمد عليه النبى فى سبيل بناء المجتمع المسلم؛ لأن أى دولة لا يمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة وتساندها، ولا يمكن لكل ذلك أن يتم بغير التآخى والمحبة، فكل مجتمع يفتقد فيما بينه إلى المودة والتآخى لا يمكن أن يصبح دولة متماسكة متجانسة بأى حال من الأحوال.

وحول القيمة الدستورية للدولة فإن أهم ما قام به النبى فى المدينة هو كتابة وثيقة بين المسلمين وغيرهم، فقد روى ابن هشام أن النبى لم تمض عليه سوى مدة قليلة فى المدينة اجتمع له إسلام عامة أهل المدينة من العرب، ولم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، عدا أفراد من قبيلة الأوس، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بين المهاجرين والأنصار، ودعا فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم"، وهذا يبين أن المجتمع الإسلامى ودولته قامت على أسس دستورية تامة، تدل على مدى العدالة التى اتسمت بها معاملة النبى لكافة الأطياف الموجودة فى المدينة، ويدل أيضاً أن الإسلام كحضارة وحَّد الأمة وأسقط الفوارق بين أبناء الدولة الواحدة.

ودروس الهجرة وعبرها كثيرة ومتعددة بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، والإخلاص لله واليقين بأن العاقبة للتقوى والمتقين "ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما"، وأن من يحفظ الله يحفظه، وأن نصر الله لابد آت مع الصبر، وغيرها من الدروس التى لا تعد ولا تحصى، لكنها فى النهاية تؤكد أنها رحلة عظيمة بدأ بالتضحية وتحمل المشاق وانتهت بنصر الله وتمكين المسلمين وبناء دولة من أعظم الدول فى تاريخ الإنسانية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

رانية

ارجوكم شويه واقعية

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة