علا الشافعى تكتب: "أبوظبى السينمائى".. كيف تخلق من الكوارث الإنسانية سينما بديعة؟.. المهرجان فى دورته الثامنة اختار أفلاما من دول مختلفة لكنها تحمل قصصا متشابهة لبشر وبلدان تدهس أبناءها

الجمعة، 31 أكتوبر 2014 08:05 ص
علا الشافعى تكتب: "أبوظبى السينمائى".. كيف تخلق من الكوارث الإنسانية سينما بديعة؟.. المهرجان فى دورته الثامنة اختار أفلاما من دول مختلفة لكنها تحمل قصصا متشابهة لبشر وبلدان تدهس أبناءها علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل إنسان منا يصلح لأن يكون حكاية تروى، من منا لا يملك قصة، من منا لم يعتد رواية القصص عن نفسه أو عن الآخرين، إذا هى الكلمة بجوار الكلمة، والتى تصنع جملا، تحمل تأثيرا دراميا فى الأغلب، ذلك هو أصل الفن الحكى، كيف تروى قصتك فى قالب مشوق، أو معقد يثير الأسئلة الذهنية، ويحمل أبعادا فلسفية، أو أنك لا تهدف سوى للحكى بغض النظر عن المتعة، تلك هى السينما، وذلك هو الشعار الذى اتخذه مهرجان أبوظبى السينمائى الدولى، وهو الشعار الذى أظنه كان موفقا للغاية، فالحكايات تروى من كل أنحاء العالم، سينمات مختلفة تحمل قصصا لبشر وحضارات وبلدان تدهس أفراداها، أو تعكس حالة من الفراغ الإنسانى والوجدانى، والبعض يطرح ويروى المشاعر الإنسانية فى بساطتها وأيضاً بكل تعقيداتها، وتناقضاتها، تلك هى الحالة التى تعكسها الأفلام السينمائية التى تتنافس وتعرض فى الدورة الثامنة لمهرجان أبوظبى السينمائى، الذى نجح مدير المهرحان على الجابرى ومسؤولو البرامج والقائمون عليه فى اقتناص العديد من الإنتاجات السينمائية المتميزة، التى تمكن صناعها من حصد الجوائز فى كبريات المهرجانات.

كان وبرلين وفينسيا وتورنتو.. رغم ما تعكسه هذه الأفلام من مشاعر وتجارب، فإن هناك تيمة تربط بين عدد من الأعمال، وتحركها بشكل أو بآخر رغم اختلاف الثقافات، ألا وهى القهر، الذى صار يحكم الكثير من القصص التى تروى، فى سينما كل مخرج، وتتعدد الأفلام اللافتة للانتباه.

السينما الروسية فى كامل بهائها

ولكن هناك بالطبع تجارب تشكل علامة فارقة فى تاريخ السينما ليس بلدها فقط ولكن على مستوى العالم، لذلك لن يسعنى إلا أن أستعير مصطلحا محببا إلى عادة يستخدمه الناقد المخضرم سمير فريد، ألا وهو المهرجان يكشف عن إحدى تحفه، وتعبير الناقد المخضرم ينطبق بوضوح على الفيلم الروسى test"، للمخرج ألكسندر كوت، والذى يبدو أنه اختار أن يقدم تجربة سينمائية تحمل تحديا كبيرا، فيلم بلا حوار، يقدم قصة حب بين شاب وفتاة، ليس ذلك فقط، بل مع الطبيعة، الحياة، الشمس، الماء، هو فيلم يحفل فى كل لقطة فيه بجماليات، متفردة كأن المخرج رسم لقطاته كادر كادر لدرجة أن من يشاهد الفيلم من الممكن أن يصرخ من فرط جماله، فهناك درجة من البساطة، فى الحكى لا تصدق خصوصا وأنه يوازيها عمق يجعلك أيضاً تقول:"إنهم الروس"، الفيلم والذى تبدأ أحداثه فى إحدى قرى منغوليا، منزل بسيط يغلب عليه اللون الأزرق يقع بمفرده، فى سهول فسيحة، يقطنه أب وابنته اليافعة، والتى تقوم بإدارة المنزل، ورعاية والدها، الذى يخرج يوميا فى رحلة عمل بسيارته العسكرية ومنذ اللقطات الأولى للعمل يغرق المشاهد فى جماليات الحكى والصورة، رغم عدم وجود كلمة حوار واحدة، هناك إحساس بالحب، الخوف، الضياع، القهر، الفتاة بين شابين واحد ينتمى لحضارتها، والثانى ينتمى للحضارة الغربية، تقع أسيرة فى حبه يتوفى الوالد، والذى تعرض لحمى ومرض، بعد إهانته،على يد بعض الضباط، ورغم أنه شفى إلا أن مشهد إهانته وقهره أمام ابنته جعله يستسلم للموت بإرادته ويتصارع الشابان على الفتاة، والتى تختار الآخر الغريب عنها، وفى مشهد بديع يظل فى الذاكرة، وفى تاريخ السينما (مشهد قميص الفتى على الحبل عندما يحتضن فستان الفتاة، مشهد الاثنان وهما يلعبان لعبة الخيط، وكأنهما صار شخصا واحد)- وفجأة تأتى النهاية غير المتوقعة، إحدى التجارب النووية، التى تأتى على الأخضر واليابس، وحلم الاثنان، وتداخل الحضارتين، لدرجة أن الجثث تخرج من القبور(مشهد خروج جثة الأب من قبره)، والشمس التى ترفض أن تشرق وتعاود الغروب أمام كل هذا الدمار، والقهر المخرج قدم لقطات واسعة ومرتفعة، وكانت اللقطات القريبة، محسوبة بدقة، لتعكس لغته السينمائية والبصرية المتفردة وأيضاً تميز أداء ممثليه، والذى جاء بعيدا عن أى مبالغات أو ميلودراما حتى فى لحظات الخوف والألم، فيلم تجربة أو test، تجربة بصرية، تحمل متعة من الصعب تكرارها، إلا بعد سنوات طويلة، ويعرض الفيلم داخل مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.

قصص رخشان تكشف إيران الأخرى

ومن السينما الروسية والتجربة السينمائية المتفردة، نجد هناك تجربة إيرانية هامة للمخرجة الإيرانية رخشان بنى اعتماد وهى بعنوان "قصص" وهو الفيلم المختلف فى بنائه السردى، يضم العديد من الحكايات عن هؤلاء المنسيين فى قاع المدن، والذين تلفظهم حكوماتهم، وكأنهم زوائد ليس لها أهمية، ويشكلون عبئا يحب التخلص منه.

طهران تلك المدينة الضخمة، والتى يعيش على هوامشها بشر، لا يرغبون سوى فى لقمة العيش، ولكن الحكومة تصر أن تدهسهم وتقهرهم، بيوت تبدو على وشك الانهيار.

قصص عديدة تعكس ذلك الواقع الاجتماعى والسياسى الذى تفوح منه رائحة الفساد، كاميرا مخرج تسجيلى يرغب فى صناعة فيلمه، عن حال تلك المدينة، وعين المخرج هى بالتأكيد تعكس وجهة نظر رخشان مخرجة العمل، والتى استطاعت بذكاء أن تجسد تلك الحكايات والقصص وتجعلها متشابكة فى قالب سردى ورؤية بصرية يغلب غلى بعضها الضبابية، فهناك الرغبة فى السفر لسائق تاكسى يصادفه المخرج، ويخبره أنه تعرض للاحتيال هو وأفراد عائلته، فإذا بالمحتالين يسرقون ماله ويختفون، وامرأة شابة هاربة من ماضيها، يصادفها سائق التاكسى وتكتشف أنها كانت صديقة شقيقته وجارته والتى هربت من المنزل بسبب سطوة أخيها الذكورية، وتحولت إلى عاهرة تحمل طفلا على يديها، وتنكر نفسها من السائق جارها، تنكشف أمام السائق جارها، الأم الذى تحاول يوميا أن تقدم شكوى ولا تستسلم فى محاولة للإفراج عن ابنها والذى قبض عليه لأنه شارك فى مظاهرة سلمية. والعمال الذين يبحثون عن حقوقهمر الاجتماعية الشرعية بعد طردهم من المصانع أو الشركات التى كانوا يعملون، وهناك أيضاً ذلك العجوز الذى يحاول الحصول على حقّه التأمين بعد رحلة مرض من الوزارة المختصّة، من دون فائدة، فآل فساد واضح ويحكم كل شىء نراه متجسدا فى شخصية موظف رسمى لا يهتم بالناس أو مطالبهم، مشغول بشئونه الخاصة ما بين عشيقته وزوجته وفساده ومصلحتها، والمرأة التى تهرب من زوجها والذى لا يفعل شيئا سوى ضربها بسبب إدمانها، وكل ما تخشاه أن تصبح مطلقة بعد زيحتين، رغم أنه حرق وجهها فتهرب وتعمل فى مركز لعلاج المدمنين وهناك نرى من يحاولون الانتحار، وآخرون يحاولون إنقاذ بعض من هذه النفوس الخربة، والفتاة التى يصلح حبها محكوما عليه بالإعدام بعد أن أصابها الإيدز نتيجة مساعدة بعض المرضى فى هذا المركز، كل هذه القصص نسجتها المخرجة فى حبكة متماسكة، وبصورة بصرية ثرية، تعكس قسوة وقبح الواقع، وتصف ذلك الغليان المكتوم، والفيلم يشارك أيضاً فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وقد سبق وحصل على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان فينسيا فى دورته الماضية.

رحلة مصور تفضح سياسات العالم وقهر الآخر

وضمن عروض السينما العالمية عرض الفيلم ألمنيا للمخرج الألمانى فيم فينندرز، فيلمه "ملح الأرض أو salt of earth "وهو الفيلم الذى يحمل تجربة إنسانية مختلفة، من خلال دراما خاصة بمصور فوتوغرافيا جاب أنحاء العالم على مدى السنوات الأربعين الماضية، حيث شهد المُصوِّر الصحفى البرازيلى الجوّال سيباستاو سالجادو بعض الكوارث الكبرى من التاريخ الحديث الصراعات الدولية، الجوع والنزوح الجماعى، من رواندا والسودان وإثيوبيا والبوسنة وصربيا، وصولا لحرب العراق على الكويت، ورصد بكاميراه المجاعات، والعالم الذى بات مدانا أمام تلك الكوارث، الإنسانية وهى الرحلة التى تمكن المخرج بذكاء شديد من تحويلها إلى فيلم سينمائى يعكس دراما الحياة الخاصة من خلال عين وكاميرات سبستيان والتى عكست ووثقت أيضاً لحضارات وواقع إنسانى وظواهر طبيعية غريبة، وربط المخرج ما بين الخاص والعام فى حياة المصور من خلال تلك الرحلة المشوقة، والتى حملت تحديا للمخرج أيضاً فكيف يعكس كل مرارات وقهر الواقع من خلال رحلة المصور المخضرم.
والذى تركه المخرج يحكى تجربته، وانتقل معه إلى بعض الأماكن التى صور بها، وحكى أحداثا أخرى من خلال الصور.

القهر على الطريقة الأمريكية

يعد فيلم 99 منزلاً" هو سادس فيلم يُقدمه المخرج رالأمريكى من أصل إيرانى رامين بحرانى منذ بداياته فى السينما عام 2005. هذه المرة، تعاون معه فى كتابة السيناريو المخرج الإيرانى أمير نادرى، شارك الفيلم فى مسابقة مهرجان فينسيا 2014.

ومنذ أولى لقطات الفيلم يعكس الفيلم جوا خانقا، لهؤلاء الذين أصلحوا ضحايا النظام المصرفى الأمريكى وتحديدا، قوانين الرهن العقارى، والتى جعلت آلاف الأمريكان يصبحون بلا مأوى بطلنا ناش، (أندرو جارفليد) عامل بناء يخرج يوميا للعمل فى المنازل التى تؤسس ها الشركات الكبرى يعيش مع أمه وابنه فى بيت لم يعد يستطيع تسديد ثمنه للمصرف الذى حصل على قرض منه بسبب الأزمة الاقتصادية، وهنا تبدأ المفارقات إلى أن يأتى "نيك كارفر" (مايكل شانون) بمساعدة رجال الشرطة المتواطئين معه لحجز البيت، وهناك المئات من الحالات التى تشبه ناش، بعضهم يلجأ للمحاكم، والتى تضم متواطئين أيضاً، ناش وعائلته فى موتيل بسيط يضم آلاف الأسر مثله، وهو بلا عمل إلى أن تنشأ علاقة مصلحة بين ناش وكارفر والذى أسند إليه بعض الأعمال الإصلاحية فى منزله وبعض المنازل التى يستولى عليها، تتطور العلاقة إلى تعاون بينهما فى محاولة من ناش لاسترداد منزله، الفيلم دراما اجتماعية واقعية، لا يعكس ذلك النمط الهوليوودى فى الإنتاج أو الموضوع، ولكنه ببساطة يتناول حياة هؤلاء البسطاء، الذين لا يقطنون المدن الكبرى، فى أمريكا، ويتلخص حملهم فى هذا المنزل البسيط وحديقته، ولكن الفيلم ينجح فى تعرية النظام المصرفى الأمريكى الفاسد، والقائم على الرشوة والذى يطحن غير القادرين، ويقهرهم، لأن ناش يضطر إلى التواطؤ مع ذلك المستغل.

لذلك ستظل السينما، هى التى تكشف وترصد وتستشرف الكثير من الأمور أو تقدم تجارب إنسانية وحياتية فى قصص مختلفة، تعكس كافة الثقافات ولا تزال هناك الكثير من الأفلام التى تستحق التوقف عندها، والتى عرضت ضمن فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان أبوظبى السينمائى الدولى والتى تتواصل أنشطتها حتى الأول من نوفمبر المقبل.

لذلك ستظل السينما، هى التى تكشف وترصد وتستشرف الكثير من الأمور أو تقدم تجارب إنسانية وحياتية فى قصص مختلفة، تعكس كافة الثقافات.

ولا تزال هناك الكثير من الأفلام التى تستحق التوقف عندها، والتى عرضت ضمن فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان أبوظبى السينمائى الدولى والتى تتواصل أنشطتها حتى الأول من نوفمبر المقبل.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة