أحمد بان

إعادة اكتشاف جمال عبدالناصر

الأربعاء، 08 أكتوبر 2014 10:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
.. وفى الليلة الظلماء يفتقد البدر، فى مثل هذه الأيام رحل عن عالمنا هذا الراحل العظيم، الذى بدا كغيمة أظلت سماء هذا الوطن العربى الكبير، كانت لحظة ميلاد الزعيم الراحل الحقيقية، هى اللحظة التى أعلن فيها تأميم قناة السويس، حينها تأكدت نواياه فى انتزاع استقلال هذا البلد، حينها تجسدت وطنيته وعروبته التى جعلت للقومية لونا ومعنى، وباعتبارى واحدا ممن انتموا للتيار الإسلامى الحركى لفترة من حياته، دامت عقدين من الزمان، كان من لزوم هذا الانتماء شيطنة هذا الراحل العظيم، وإهالة التراب على تاريخه، وتشويه كل إنجازاته واتهامه بأنه من عطل مسيرة هذا الوطن نحو الديمقراطية، غافلين عن عمد أو جهل أن الديمقراطية من أهم شروطها وجود الأساس الاجتماعى الذى يمثل الرافعة الأساسية لها، الطبقة الوسطى التى نجح ناصر فى بنائها بإجراءات سريعة وناجزة، سواء فى قرارات الإصلاح الزراعى وتحديد الملكية، أو قرارات التمصير التى ظلت حلم طلعت حرب الاقتصادى الوطنى، حتى أحالها ناصر إلى واقع معاش، أعاد ناصر الاعتبار للمواطن المصرى بتمكينه من حقوقه، التى حاول البعض اختزالها فى الحقوق السياسية.

إن تأمل قضية استئناف الحياة النيابية مثلا قبل اكتمال شروط التغيير، كانت ستقود بالضرورة لإعادة إنتاج نفس التركيبة السياسية المشوهة، التى ثار الجيش عليها فى يوليو وأعطاه الشعب تفويضا لإنجاز أحلامه وأمانيه الوطنية، لايكابر عدو أو صديق لجمال عبدالناصر فى الإنجاز الاجتماعى الذى حققه فى مدى زمنى قصير، لكنهم يفصلون فى تعسف بين هذا الإنجاز والظرف الدولى والإقليمى الذى حدث فى أجوائه، نظام تعاديه الإمبريالية الدولية، وقاعدتها فى المنطقة إسرائيل، كان لدى الرجل تناقض داخلى مثلته جماعة الإخوان التى أصرت على أن تكون شوكة فى خاصرته، بديلا عن التعاون معه فى تنمية هذا البلد، ولازلت أذكر زيارة الرجل لبنى سويف بعد شهور قليلة من قيام ثورة يوليو، وكيف أعد تنظيم الإخوان مظاهرة ترفع شعارات لا حكم إلا بالقرآن، وكيف حاولوا إبراز عضلات التنظيم وفرض وصاية الجماعة على النظام الناشىء، لكن الرجل رد بثبات وثقة العارف بما سيصنع قائلا لهم، لا تكونوا كالببغاوات تردد دون أن تفهم، أليس تحقيق العدالة الاجتماعية هو من أحكام القرآن إصبروا وسترون، لكنهم قلبوا له ظهر المجن وأشعل النظام الخاص الأرض تحت أقدامه، فلم يجد بدا من ردعهم بالطريقة الوحيدة التى يفهمونها، ولولا أن السادات منحهم قبلة الحياة، ماقامت لهم قائمة، ولو أحسنوا النوايا لتم استيعابهم ضمن البنيان السياسى الذى حاول عبدالناصر دمجهم فيه، عندما أسس هيئة التحرير لتكون حاضنة للثورة ومؤسسة لتكوين الكفاءات السياسية، لتشارك فى تحمل المسؤولية وهى مشبعة بأفكار الثورة وأهدافها، لكنهم كعادتهم فى إضاعة الفرص تعاملوا مع الأمر باعتباره مؤامرة عليهم، ومحاولة لإذابة فكرتهم، التى بقيت منافية للوطنية ومناهضة لها، وماكان لها أن تلتقى معها أبدا، وسموا هيئة التحرير مسجد الضرار فى إحالات لم يتوقفوا عنها أبدا، تشى بالتكفير الضمنى أو الصريح، حاول الرجل دمجهم وهم الفصيل الأكبر وقتها، واستثنى حزبهم من قرارات حل الأحزاب، لكنهم واصلوا تآمرهم عليه فتعامل معهم، فصنعوا مظلومية كانت طريقهم بعد وفاته للقلوب والعقول، أظن أن هذا الأمر قد اتضح فى وعى الكثيرين الآن، وكيف أدركوا أن ناصر كان أعرف بالإخوان من غيره.

كلما قفزت للواجهة شعارات ثورة يناير، لم أجد لها صدى فى الواقع إلا فيما فعله الرجل، كلما تاقت نفسى للشعور بالزهو القومى والاستقلال الوطنى استحضرت سيرته ومسيرته.

كان لدينا دولة حقيقية نفتخر بها، تصنيع وزراعة وتعليم وإنضباط وكفاءة فى كل المناحى، كم وزير ثقافة كان فى توهج ثروت عكاشة كم وزير إعلام كمحمد فائق، وغيره كثر فى كل مجالات العمل والإنتاج.
تأملوا حضور مصر فى أفريقيا، إدراكا واعيا ومبكرا من الزعيم لمعنى الأمن القومى وحدوده، تأملوا حضورها فى عالمها العربى والإسلامى، تأملوا مشاركتها فى تأسيس منظمة دول عدم الانحياز، ساعتها تجسد الحضور فى الداخل أو فى الإقليم أو العالم، كان حضورنا ظلا لحضوره عملاقا بالصوت والصورة، وحين غاب توارى الحضور فى كل المساحات ولم يعد لحضورنا أثر، غبت وغاب معك الحضور.

كان لجمال عبدالناصر مشروع وطنى حقيقى، قفز على معضلات السياسة الدولية الاستعمارية وقتها، أدرك قدرات هذا البلد وآمن بحقه فى الحياة التى تليق بعبقرية الزمان والمكان، اجتهد وفق ظروف زمانه وكانت أولوياته وانحيازاته واضحة للسواد الأعظم من الشعب، لذا كانت جنازته تصويتا على مكانته فى قلوب الشعب، الذى يفرق بسهولة بين من يعمل من أجله ومن يعمل لنفسه أو لحساب آخرين، من أعداء هذا الشعب الذى يراد له أن يكفر برموزه وزعاماته ويهزم من داخله، إن رحم هذا البلد لم يعقم، وسيبقى قادرا على أن يهب لنا عظماء من تراب هذا البلد، اتفق الناس حوله أم اختلفوا يبقى عبدالناصر زعيما وطنيا شجاعا، أحب وطنه وأعطاه حشاشة قلبه، إلى أن كف القلب المتعب عن النبض فى مثل هذا اليوم. رحم الله جمال عبدالناصر، وجزاه خيرا عما قدم من خير وعفا عنه وغفر له.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

ابراهيم ذكى

رحم الله ناصر الفقراء

عدد الردود 0

بواسطة:

ابراهيم ذكى

شكرا

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود ذهنى

الإخوان لا يرون فى تاريخنا غير حسن البنا

عدد الردود 0

بواسطة:

عزت حماد

صح لسانك

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد توفيق

عادي

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة