عطر الأحباب.. مهرجان القاهرة السينمائى يحتفل بمئوية مخرجه هنرى بركات..«فى بيتنا رجل» فيلم عذب يبارك الاغتيال السياسى لتجاوز المشكلات السياسية!..بركات يقرر اعتزال الإخراج عام 1993 احتجاجًا على المنتجين

الجمعة، 14 نوفمبر 2014 10:59 ص
عطر الأحباب.. مهرجان القاهرة السينمائى يحتفل بمئوية مخرجه هنرى بركات..«فى بيتنا رجل» فيلم عذب يبارك الاغتيال السياسى لتجاوز المشكلات السياسية!..بركات يقرر اعتزال الإخراج عام 1993 احتجاجًا على المنتجين هنرى بركات
تحت إشراف : ناصر عراق"نقلاً عن العدد اليومى"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حسناً فعل مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته لهذا العام، الدورة 36، حين احتفى بمرور مائة عام على ميلاد المخرج المتفرد هنرى بركات، ذلك أن هذا الرجل تمكن بموهبته الفياضة أن ينجز أفلامًا بالغة الأهمية فى تاريخنا السينمائى، لما تناقشه من قضايا ساخنة، وما تحتشد به من مشاهد سينمائية متقنة الصنع.. حلوة الصورة.. متدفقة الإيقاع.

البداية

وفقا للفيلم القصير الذى شاهدناه فى حفل افتتاح المهرجان بمحكى القلعة، فإن بركات كما قال بنفسه فى الفيلم ولد بحى شبرا بالقاهرة فى 11 يونيو من عام 1914، وأغلب الظن - كما يخيل لى - أنه من أصول شامية، وأنت تعلم أن مصر كانت منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين قبلة لكل الجنسيات فى العالم، خاصة أولئك الهاربين من بطش السلطات أو من الأوبئة والأمراض، وأنت تدرى أن الأرمن - على سبيل المثال - قد تعرضوا لمذابح فظيعة على يد الأتراك فى زمن الحرب العالمية الأولى، إذ بلغ عدد الضحايا نحو مليون إنسان.أما الناقد السينمائى الكبير مجدى الطيب فيؤكد فى كتابه «بركات زعيم المحافظين فى السينما المصرية» الصادر عن مهرجان القاهرة السينمائى لهذا العام -أن «جدّ بركات جواهرجى كان يعيش فى دمشق، ولما استشعر تنامى الاضطهاد الدينى ضد المسيحيين قرر الهرب، وساعده فى ذلك جاره السورى المسلم حسن الذى خبأه فى بيته، ثم دبر له وسيلة للهرب إلى مصر».

وفى القاهرة التحق أنطون بركات - والد هنرى - بكلية الطب وكان من النابغين فحصل على رتبة البكوية!
على أى حال، درس الابن هنرى بركات المحاماة وتخرج فى كلية الحقوق، وظل مفتونا بالسينما والموسيقى فهجر قاعات المحاكم، وذهب إلى باريس ليتعلم ويدرس الفنون، وهناك تعرف على فتوح نشاطى - عمو عزيز فى فيلم شارع الحب لعبدالحليم - وتلقى على يديه دروسا فى فنون التمثيل والحركة، ثم عادا معًا إلى مصر قبيل الحرب العالمية الثانية.

فى القاهرة اقتحم بركات استوديوهات السينما، ومارس معظم الأعمال خلف الكاميرا مثل ملاحظ سيناريو ومنوتير، حتى أتقن القيام بمهمة مساعد المخرج، وفى سنة 1942 أسندت له آسيا إخراج أول أفلامه وهو «الشريد»، ثم توالت أعمال الرجل بعد ذلك سريعًا، فقد عرض له فيلم «لو كنت غنى» فى 26 نوفمبر من العام نفسه، ثم «المتهمة» فى 30 ديسمبر من سنة 1942، وهكذا أثبت الرجل مقدرته فى دنيا الإخراج حتى بلغ ما أخرجه حتى عام 1950 أكثر من 14 فيلمًا من أشهرها «العقاب- الواجب- حبيب العمر- معلش يا زهر- شاطئ الغرام- أمير الانتقام» ومعظمها من إنتاج آسيا، إذ يبدو أنهما كانا متفقين فكريًا وفنيًا، وقد تعاون أيضا مع فريد الأطرش ومحمد فوزى، إذ أخرج من إنتاج الأول عدة أفلام مثل «ماتقولش لحد، لحن الخلود، رسالة غرام، ماليش غيرك»، وأخرج من إنتاج الثانى «ورد الغرام، دايما معاك».

اللافت أن معظم هذه الأفلام تتكئ على فكرة اجتماعية واقعية، ولعل هذا ما يفسر غرام هنرى بركات بإنجاز أفلام تحاكى الواقع الاجتماعى المعيش وتفخر بذلك فى مقدمة فيلم «فى بيتنا رجل» كما سنرى بعد قليل.

السياسى أم الوطنى؟

لم يكن «فى بيتنا رجل» أول أفلام بركات التى تعالج قضية سياسية واضحة، بل كان الفيلم الثانى بعد «أمير الانتقام 1950»، أى أنه ظل زاهدا 11 سنة كاملة فى الاقتراب من دنيا الأفلام السياسية، إذ عرض «فى بيتنا رجل» للمرة الأولى فى 17 أبريل من عام 1961.

فى اعتقادى أن الأجواء السياسية الصاخبة التى حدثت فى مصر طوال هذه الأعوام هى التى دفعت بركات إلى عدم المغامرة، فآثر اجتناب الفيلم السياسى، فلما استقرت الأوضاع، ونجحت ثورة يوليو 1952 فى تثبيت أركانها، قرر الرجل العودة إلى «بساتين» السياسة ممتطيًا جواد الواقعية الذى برع فيه وتفنن، فأنتج وأخرج «فى بيتنا رجل».

فى مقدمة هذا الفيلم نطالع هذه الفقرة بالنص: «أفلام بركات يشرفها أن تتقدم بواجب الشكر وعميق التقدير إلى السيد المحافظ ومدير بلدية القاهرة- إدارة الشؤون العامة بوزارة الداخلية- إدارة جامعة القاهرة والمستشفيات- هيئة الفتوة- ضباط وجنود الشرطة- مصلحة السياحة.. على ما بذلوه من جهد صادق وتعاون وثيق، ومن مساعدات فنية قيمة حققت للفيلم ما نفخر به من واقعية وروعة».

أى أن الواقعية هى الهدف والمبتغى للرجل، ولكن أية واقعية بالتحديد؟ هنا بالضبط تتضح عبقرية بركات، فالمخرج الكبير يصر على أن تكون أفلامه مستلهمة من الواقع اليومى ومغلفة بغلالة عذبة من الرقة والرمانسية.تذكر من فضلك «معلش يا زهر- لحن الخلود- دايمًا معاك- دعاء الكروان» على سبيل المثال.

من مقدمة الفيلم نعرف أن القصة مأخوذة عن رواية لإحسان عبدالقدوس، وأن يوسف عيسى شارك بركات فى كتابة السيناريو، لكنه تصدى بمفرده لكتابة الحوار، وفى اعتقادى أن يوسف عيسى من أهم الذين كتبوا الحوار فى السينما المصرية لما يتمتع به من رشاقة فى الصياغة وحكمة فى التعبير، وعذوبة فى الحديث.
نعرف أيضا أن الموسيقى التصويرية من نصيب فؤادى الظاهرى، وأن وديد سرى تولى مهام مدير التصوير، وأن مهندس الصوت اسمه «جان هليبليان»، واضح من اسمه أنه من الأرمن، ولعل هذا الفيلم يعد من أواخر الأفلام التى اشترك فى صناعتها وتنفيذها الأجانب فى مصر، قبل أن تصاب مصر بنكبة هجرة الأجانب منها، فتفقد بذلك جزءًا عزيزا غاليًا من طاقتها الإبداعية!

مأساة الحل الفردى
يبدأ «فى بيتنا رجل» بعرض لوحات مرسومة بذكاء عن عذابات المصريين فى ظل الاحتلال الإنجليزى، بينما نسمع صوت المعلق الرنان صادحًا: «قبل أن تتم معجزة الثورة، ظلت مصر ترزح تحت نير الاحتلال أكثر من سبعين عامًا، ونجح الاستعمار فى أن يقسم المصريين أحزابًا تتطاحن على الحكم ونسوا العدو المشترك»، ونعرف من خلال اللوحات والتعليق أن المصريين لم يتوقفوا عن مكافحة الاستعمار طوال هذه السنوات، ثم تبدأ أولى لقطات الفيلم بمشهد آثر يصور قبة جامعة القاهرة، لتهبط الكاميرا تدريجيا إلى الطلاب الثائرين، وكأن بركات يؤكد أن الطلاب هم شعلة الثورة ضد كل ظلم أو احتلال.

أنت تعرف قصة الفيلم وتفاصيله، لذا سأفتح معك حوارًا حول قضية «الاغتيال السياسى»، التى يطرحها الفيلم ويتعاطف معها، لأن بطل الفيلم إبراهيم حمدى - عمر الشريف - أقدم على اغتيال شخصية سياسية مصرية بارزة بحجة أنها تتعاون مع الاحتلال، فهل من الصواب الآن الحفاوة بأحد يغتال معارضا سياسيا؟
لا يمكن فهم كيف استقبل الجمهور هذا الفيلم بسعادة ووقفوا بجانب عمر الشريف واحترموا موقف حسين رياض رب الأسرة الذى أخفاه وخبأه.. لا يمكن فهم ذلك إلا فى إطار السياق العام الذى عرض فيه الفيلم، ففى سنة 1961 كان طعم العزة والكرامة والاستقلال مازال عالقا فى صدور المصريين بعد حرب 1956 ضد العدوان الثلاثى، وكان الشعب كله يتذكر مرارات الاحتلال الإنجليزى، لذا - كما أعتقد - لم يجد غضاضة فى أن يتصدى أحد لاغتيال أحد رجال السياسة المصريين المشبوهين الذين يتعاونون مع الاحتلال، لكن من المحال استيعاب هذا الأمر الآن بعد أن تغيرت المفاهيم وظهر الأعداء القدامى فى ثياب جديدة!

يضج «فى بيتنا رجل» بمشاهد عذبة بالغة السحر، فبركات لا يصنع فيلمًا سياسيًا بمعناه المعروف الذى يراهن على الخطابية والمباشرة والصوت العالى، بل فيلمًا وطنيًا بحسب تعبيره، وإن كانت الحبكة الدرامية الرومانسية تطل برأسها فى معظم المشاهد، فعلاقة الغرام بين عمر الشريف وزبيدة ثروت تتفجر بالرقة والشجن، ومشهد ارتباك رشدى أباظة أمام رئيس البوليس السياسى همام بك - الممثل المتميز عبدالخالق صالح - يكشف معدن المصرى وموقفه من الاحتلال حتى لو كان هذا المصرى من أصحاب السوء الطامع فى المكافأة المالية!

كما لا تنس المشهد الفاتن الخاص بفتح كوبرى عباس ليسقط فى النيل المتظاهرون، وندرك خسة أجهزة الأمن أيام الملك والاحتلال، كما بينت لحظة هروب عمر الشريف من المستشفى ساعة الإفطار فى رمضان كيف يمكن لمغامر مصرى طائش استغلال هذه الفرصة التى تتراخى فيها كل الأجهزة فى الدولة، ويفعل ما يشاء.

باختصار.. بركات مخرج يمتلك حساسية مرهفة.. أنجز أفلامًا كثيرة مدهشة، وتورط فى إخراج بعض الأفلام الساذجة مثل «حسن بيه الغلبان» و«العسكرى شبراوى»، لكنه تأسف كثيرًا حين أصر المنتج على عرض آخر أفلامه «تحقيق مع مواطنة- 1993» على الرغم من أن الرجل لم يكن قد انتهى من تصويره بعد، فحزن لذلك بركات كثيرًا وقرر اعتزال السينما بعد أن أفسدها الدخلاء.

إن مئوية بركات تستحق منا الإشادة والدراسة، كما يستحق الناقد الكبير سمير فريد رئيس مهرجان القاهرة السينمائى التحية والتقدير لاهتمامه بواحد من مخرجينا الرواد.


عمر الشريف وزبيدة ثروت

عمر الشريف وزبيدة ثروت

حسين رياض ورشدى أباظة وحسن يوسف

حسين رياض ورشدى أباظة وحسن يوسف

هنرى بركات

هنرى بركات

آسيا

آسيا


موضوعات متعلقة:


محمد غنيم يكتب: لأنها تهذب الأخلاق وترقق المشاعر.. مصر بحاجة إلى سينما الأبيض والأسود مرة أخرى

95 عامًا على ميلاد صاحب «رد قلبى» و«الرجل الثانى» و«نهر الحب»..عز الدين ذو الفقار.. شاعر السينما وضابط المدفعية الرومانسية الثقيلة!

حازم حسين يكتب:اكتشفها رمسيس نجيب وحاربها إحسان عبدالقدوس وكرمها مهرجان القاهرة..نادية لطفى.. حينما يختزل الله العالم فى عَينَىْ أنثى!


















مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة