فضيلة المفتى شوقى عبدالكريم علام يكتب: الخطاب الدينى.. ومكانة الأزهر الشريف..استطاع الأزهر عبر العصور أن يحتوى الجميع وأن يهضم الكل وأن يصبغهم بصبغته الوسطية الرافعة للحرج عن الأمة

السبت، 08 نوفمبر 2014 09:01 ص
فضيلة المفتى شوقى عبدالكريم علام  يكتب: الخطاب الدينى.. ومكانة الأزهر الشريف..استطاع الأزهر عبر العصور أن يحتوى الجميع وأن يهضم الكل وأن يصبغهم بصبغته الوسطية الرافعة للحرج عن الأمة د. شوقى عبدالكريم علام
" نقلاًً عن العدد اليومى"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى حياة الأمم والشعوب «رموزٌ» تحمل من الدلالات ما لا تستطيع مصطلحات اللغة أن تعبر عنه؛ ذلك لأن هذه الرموز تمثل مصدرا من مصادر العزة والكرامة والسؤدد والتفوق الذى تتباهى به الأمم على مثيلاتها، وقد قدر الله عز وجل أن يكون الأزهر جامعًا وجامعة أهم «الرموز» التى تحددت على أساسها صورة مصر الذهنية فى العالم أجمع، وكأنها مكة مع البيت الحرام، من حيث هو قبلة للعلم والوسطية الإسلامية التى تشع على ربوع الأرض كلها.

ونحن قد أفردنا هذه المساحة للوقوف على أهم أسباب ضعف الخطاب الدينى وطرق علاجها، وبيان أهم الأدوات التى من خلالها نطور ونجدد فى الخطاب الدينى؛ حتى لا يكون خطابًا عشوائيًّا أو فوضاويًّا أو متطرفًا، لكننا وسط هذه المعالجة وجدنا أن هناك من يريد أن ينال من مؤسساتنا الدينية التى لا يجهل حقيقة دورها أحد، ويأتى على رأسها الأزهر الشريف، وبما أننا نتصدى لكل فكر متطرف هدام، فسوف يكون حديثنا عن الأزهر الشريف ومكانته باعتباره صمام الأمان والصخرة التى تتكسر عليها أفكار الإرهاب.

فينبغى أن يبين خطابنا أن الأزهر كان ولا يزال وسيظل بحول الله وقوته مرجعية عالمية لكل مسلمى العالم، يجمع ولا يفرق، يحفظ ولا يبدد، يبنى ولا يهدم، يصون ولا يضيع، به حُفظ تراث الأمة، وعلى أكتاف رجاله وعلمائه قامت دعوة الوسطية تنفض الغبار بعد سنوات من الجهل والجهالة التى ضربت أطنابها فى أرجاء المعمورة.

ولقد استطاع الأزهر عبر العصور أن يحتوى الجميع، وأن يهضم الكل وأن يصبغهم بصبغته الوسطية الرافعة للحرج عن الأمة، الآخذة بيدها نحو كل ما هو يسير سهل داخل منظومة التشريعات الإسلامية؛ لهذا فإننى أؤكد على أن الأزهر ككيان ممتد عبر القرون لا يمكن أن يتم احتواؤه، فهو أكبر من أن يصبغه أى تيار بصبغته، الأزهر هو الأزهر.. فكرةً، ومنهجًا، وعلماء، ومؤسسة... لا يمكن أبدًا أن يستوعبه أحد، فهو حاضن للجميع ومحتوٍ ومعبر عن التدين المصرى الوسطى.

خطابنا الدينى لا بد أن يبين أن مصر بالأزهر أقدر وأرفع، وهى بالأزهر حامى الوسطية رائدة، ومصر بدون أزهرها الرائد تخسر كثيرًا من رصيدها داخل المجتمع العالمي، فالمؤسسة الدينية فى مصر وعلى رأسها الأزهر الشريف أدت دورها الوطنى والقومى والإسلامى، وهى تحتل مقام الريادة والقيادة دائمًا ولن تتخلى عن هذا الدور، لتظل وفية لدينها ووطنها.

وعلى الجميع أن يعى أن الأزهر قدم أعمالاً جليلة وإسهامات عظيمة يشهد لها الشرق والغرب سعيًا منه لرفعة الأمة ونهضتها، وكفى بالأزهر فخرًا أنه منذ إنشائه يقدم المنهج الوسطى والفهم الصحيح المبنى على المنهج العلمى الرصين لفهم نصوص الدين، والفهم الواقعى للحياة، يؤدى ذلك كله وهو يحافظ على هويته بالرغم من التطور الهائل حوله بمرونة تذكر فتشكر، ويحافظ على نقاء الإسلام من الفكر الصدامى والتيارات المتشددة والمتطرفة التى أساءت كثيرًا للإسلام والمسلمين وجعلته محل اتهام وهجوم من قبل البعض.

فعلى خطابنا الدينى أن يبين كيف حمى المنهج الأزهرى المجتمع من التطرف؛ فقد اهتم بمسائل الاعتقاد اهتمامًا كبيرًا، وجرى فى دراستها وتناولها على منهجية سديدة ومنضبطة، لأن العقائد هى المنظورُ الكليُّ الأعلى الذى تتأسس عليه الأحكام الفقهية، وتنبع منه الآداب، وتنبنى عليه منظومة القيم، ولأن العقائد أيضا هي: المبادئ العليا التى ينظر الإنسان من خلالها إلى الكون والحياة، فيتحدد بناء على ذلك منهج الإنسان فى تحديد أهداف حياته، واختيار أولوياته، وتكوين مسلكه فى معيشته.

والأزهر مدرسة علمية عريقة عمرها ألف سنة، وهذا العمر العلمى الطويل لا يُعرف لأى مدرسة أخرى على وجه الأرض، حيث تعيش المدارس العلمية زمنًا يقدر بالسنوات والعقود أو القرون، ثم تضمر وتتفكك وتموت، لتنشأ مدارس أخرى غيرها وهكذا، لكن الأزهر حظى دون غيره من المدارس بهذه الخبرة العلمية النادرة، التى لا تتكرر، والتى استشف من خلالها عددًا من الضوابط والمحددات والتى يراعيها فى اختياراته العلمية، فى أبواب الاعتقاد، وفى أبواب الفقه والأحكام، وفى أبواب الآداب والسلوك.

وكان من جملة تلك المحددات التى احترمها الأزهر بشدة، وأسس عليه اختياره وانتقاءه لمناهجه هو أن ينظر إلى ما استقرت عليه الأمة المحمدية فى كل تلك الأبواب، فيختاره ويعتمده، ولا يميل أبدًا إلى مناهج مهجورة، استقرت الأمة المحمدية بمدارسها وعلمائها وخبرائها على تركها، فنتج من ذلك كله أن اختار الأزهر الشريف طريقة السادة الأشاعرة فى دراسة العقائد من بين عدد من المناهج الاعتقادية المطروحة للنقاش، لأن تلك الطريقة الأشعرية هى التى نقلت عقائد سلف الأمة بأمانة، دون انتقاص، واجتهدت فى خدمتها والدفاع عنها ومناقشة ما يثار حولها من إشكاليات، وفق منهج علمى سديد ومؤصل.

ونظير ذلك أن الأزهر الشريف اختار المذاهب الفقهية المعتمدة فى التدريس والتعليم، والتمس فى مقام الفتوى من بقية مذاهب الفقهاء والمجتهدين ما يتسع به الأفق، ويسعف المكلفين فى مواضع الحاجة، وفى الأمور المستجدة، وفق منهج دقيق فى الاختيار الفقهى، وهذه الطريقة الدقيقة فى اختيار بعض المناهج هى التى اعتمدها الأزهر الشريف وسار عليها، وهى التى أكسبته عبر تاريخه سمعة علمية رفيعة بين سائر المدارس العلمية فى المشرق والمغرب، وقد نتج من ذلك كله أن حفظ الأزهر الشريف عموم المسلمين فى المشرق والمغرب من المناهج الاعتقادية المتطرفة أو المختلة أو المشوهة، التى تحول صاحبها إلى عقلية منغلقة أو متهجمة أو مسارعة فى التحامل والتكفير، وتلك المنهجية العلمية الاعتقادية الدقيقة هى التى حفظت العقول من فكر التكفير الذى يكفر الناس بسبب اختلافات فقهية، أو مسائل فرعية، أو يكفر الناس بالذنوب والصغائر.

لهذا فالأزهر الشريف الجامع والجامعة وكذا علماؤه لهم مكانة عظيمة فى نفوس مسلمى العالم، مما أهله ليكون قوة ناعمة ومؤثرة فى كل الدول الأفريقية والعربية والإسلامية التى جاء أبناؤها للدراسة فى الأزهر طلابًا للعلم، وعادوا إلى بلادهم مفتين وعلماء دين ووزراء ورؤساء حكومات لا تكاد تخلو منهم دولة.

وإننى على يقين من أن بنى وطنى يعظمون دور الأزهر الشريف وشيخه الإمام الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، وسيظل فى أعينهم مرجعية حين تدلهم الخطوب، يلجئون إليه فيجدون الصدر الحنون، والحكمة المنشودة، ويجدون الموقف الصلب الذى لا يفرط فى ثوابت الدين والوطن.


صحيفة









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة