محمد أبو حامد

خواطر حول تجديد الخطاب الدينى

الأربعاء، 16 يوليو 2014 09:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
آن الأوان لفهم وتصحيح جميع المفاهيم التى استخدمت لتدمير شبابنا وجعلهم أداة تدمير لأوطانهم.

الجهاد من أكثر المصطلحات المثيرة للجدل بين الناس سواء المسلمين أو غير المسلمين، ومن أكثر المصطلحات التى يرددها شباب المسلمين، وخاصة عناصر الجماعات المتطرفة، ولكنهم لا يعرفون حقيقته ولا أحكامه، وإنما يستخدمونه كشعار حماسى يهتفون به فى مظاهراتهم فى كل مرة يتم فيها الاعتداء على بلد إسلامى مثلما يحدث الآن بعد أحداث غزة، وقد ارتبط الجهاد عند معظمهم بفكرة الشهادة وكأن الهدف منه الموت لنيل الشهادة وأجرها من الله، وهذا فهمٌ خاطئ كما سوف نشرح فيما بعد، والجهاد أيضاً من أكثر المصطلحات التى تم تشويهها، وتحريف معناها بفعلٍ متعمد من جماعات التطرف والإرهاب مدعومة من دول معادية للعرب والمسلمين، وجعلوه عنوانا للعنف السياسى الذى يمارسونه فى بلادهم، وبرّروا به جميع جرائمهم التى ارتكبوها ضد الأبرياء من أبناء شعوبهم بل وضد البشرية كلها، وقد اعتمدت الكيانات والدول المعادية للعالم العربى على الفهم الخاطئ لمصطلح الجهاد لدى جماعات التطرف التى أنشأتها هى فى منطقتنا العربية، لتحقيق مخططاتهم فى تشويه الإسلام وإظهاره فى مظهر دموى معادٍ للإنسانية، وكذلك فى تحقيق التدمير الذاتى للمنطقة على يد أبنائها من المتطرفين، وإعادة تقسيمها بما يخدم مصالح إسرائيل ومصالح الدول الغربية المساندة لها، كما استخدموهم من قبل فى مواجهة الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان وبعد تحقيق أهدافهم وخروج الاتحاد السوفيتى منها ثم انهياره، قتلوا أتباع هذه الجماعات فى حرب بوش الابن فى أفغانستان ثم اغتالوا أسامة بن لادن وهم فى الأصل من صنعوه، ولعل ما يحدث فى العراق من داعش وفى فلسطين من حماس وفى بلدنا من الإخوان خير دليل على استخدام أمريكا والغرب لجماعات التطرف والإرهاب فى تحقيق أهدافها.

- وأظن أنه قد آن الأوان لفهم وتصحيح جميع المفاهيم التى استخدمت لتدمير شبابنا، وجعلهم أداة تدمير لأوطانهم بدلا من بنائها وتعميرها وحفظ مقدساتها، فمن أهم وسائل مكافحة الإرهاب المواجهة الفكرية للمفاهيم الخاطئة التى بنى عليها، وهدمها من خلال إبراز الحق وتصحيح المفاهيم ونشرها بين الناس، ويعد ذلك من أقوى وسائل مكافحة الإرهاب، ولعل هذا ما يفسر الجريمة البشعة التى ارتكبها جماعة الإخوان الإرهابية فى سوريا، عندما اغتالوا الإمام العلّامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطى فى جامع الإيمان بدمشق وهو يلقى درس علم يصحح فيه المفاهيم الخاطئة التى يستقطبن بها الشباب، وهم يعلمون أن هذا يهدد وجودهم من الأساس فهم اعتمدوا دائما على الاستقطاب بالدين فإذا اتضح للناس أنهم لا يعرفون شيئا عن الدين سقطوا فى الحال وفقدوا نفوذهم، وفى مقدمة المفاهيم التى بنى عليها فكر الجماعات الإرهابية والتى يجب توضيحها وشرحها للناس هو الجهاد، وسوف أقوم بتناول هذا المصطلح فى أكثر من مقال لأنه لا يكفى مقال واحد لفهم جميع أبعاده، وفى هذا المقال نجيب على سؤال هو: متى شُرّع الجهاد فى الإسلام وهل مصطلح الجهاد فى الإسلام يقصد به دائما الجهاد القتالى أى الحرب؟

- فقد استقر فى فهم الناس أن الجهاد إنما شرّع بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وتكوين دولة الإسلام الأولى، وهذا فهم خاطئ، فالعهد المكى فى حياة رسول الله أى قبل الهجرة قد حفل بالجهاد بل نقول وبأعلى درجات الجهاد، وقد تحدث القرآن المكى عن الجهاد وأمر به ففى سورة الفرقان وهى مكية أى نزلت قبل الهجرة قال تعالى فى الآية رقم 52: «فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا»، ففى هذه الآية أمر الرسول ومن ورائه الصحابة والمسلمون إلى قيام الساعة بنوعٍ من الجهاد هو من أهم أنواع الجهاد بل هو أساسٌ للدين كله ألا وهو مجاهدة الكفار بإظهار الحق والدعوة إليه وتعليمه للناس، وتفنيد ما كان يعكف عليه المشركون وأهل البطل والرد عليه فالثبات على إظهار الحق ونشره ودحض الأباطيل مهما جرّ ذلك من إيذاء مادى أو معنوى هو من أهم أنواع الجهاد، وكذلك الإصرار على تعليم الناس ما ينفعهم بالتبصير بكتاب الله والتنبيه على أحكامه دون إفراط أو تفريط وكذلك تعليمهم ما ينفعهم فى مجالات الحياة المختلفة، دون أى مبالاة بالمشقة والأخطار التى يدبرها أهل الباطل لوقف إنتشار الحق، هو كما سماه الله تعالى فى الآية جهاداً كبيراً، فهذا النوع من الجهاد وإن كان ليس من النوع القتالى أى الحرب إلا أن الله النهوض به جهاداً كبيراً، وأرى أن الجهاد بهذا المعنى هو أكثر ما تحتاجه أمتنا العربية والإسلامية اليوم بعد ما انتشر فيها من أباطيل وخرافات وبعد أن تفشى فيها الجهل بل وأصبح مركباً، فأى نهضة أو انتصار مرجو لأى دولة عربية أو إسلامية يجب أن يبدأ من هذا النوع من الجهاد، محو الباطل وإظهار الحق وتعليم الناس، فكما يقال: «الإنسان يعلم أولاً» أى قبل أن يسعى لفعل أى شىء أو يطمع فى تحقيق أى تنمية أو نهضة يجب عليه أولاً أن يتعلم، ويكفى لتأكيد ذلك أن أول ما أُمر به النبى، وأول ما نزل من القرآن كان قول الله سبحانه من سورة العلق آية 1: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ» أى اقرأ لتتعلم وتفهم فلم يأمر بعقيدة أو عبادة أو خُلق وإنما أمر بالتعلم أولاً، وقال العلماء وهذا بديهى فلو كان الأمر الأول فى القرآن مثلاً بالصلاة لقال صلى الله عليه وسلم: وما الصلاة وكيف أصلى فكان لزاما عليه أولاً أن يقرأ ليتعلم ما هى الصلاة ثم يأمر بأقيموا الصلاة فيصلى وهكذا، ولعل العطب والفساد الذى أصاب تدين معظم المسلمين يرجع إلى أنه تدينٌ بنى على جهل فهو لم يبدأ بـ«اقرأ» كما كان تدين الرسول، وإنما بدأ بتقليد الغير دون فهمٍ أو اختيار، وغالباً يكون وصف الحالة الدقيق أن جاهلا يقلد جاهلا، فيمارس أمورا ويعتقد أشياء لا علاقة لها بالدين وتنتقل هذا الأشياء والمعتقدات الفاسدة من جيلٍ إلى جيل، ويؤسفنى أن أقول أننا إذا أخذنا عينة عشوائية من الذين يصرخون الآن فى الشوارع بشعارات الدفاع عن الدين، وسألناهم عن بديهيات هذا الدين فإننا سوف نفاجأ بأن معظمهم لا يعرفون شيئاً عن الدين فهم كما قال الله تعالى فى سورة النجم آية 28: «وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا».

- وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم عن هذا النوع من الجهاد فيما رواه عنه أبوداود والترمذى عن أبى سعيد الخدرى: «أن رجلاً سأل الرسول أى الجهاد أفضل؟ فقال الرسول: كلمة حق عند سلطان جائر» أى إظهار الحق وإعلانه، وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الديلمى من حديث أبى ذر: «أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك فى ذات الله تعالى»، أى تجاهد نفسك وتجبرها على اتباع الحق، فإعلان الحق ونشره وتعليمه والسعى لتطبيقه وتحمل الصعاب لأجل ذلك هو أفضل الجهاد، بل إنك إذا تأملت، أدركت أن الجهاد، بهذا المعنى الذى استقر فى مكة منذ فجر الإسلام، هو المصدر والمعين لأحكام الإسلام عموماً فبه يعرف الحق ويتبع، وهو أشبه بالجذع الثابت من الشجرة وهو أساسها الذى يتفرع منه الأغصان والأوراق فهو أساس الإسلام، وقد استمر النبى صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة فى ممارسة هذا النوع من الجهاد فقط ولم يمارس غيره من أنواع الجهاد أو حتى غيره من الأحكام طوال العهد المكى لمدة ثلاثة عشر عاماً أى أكثر من نصف فترة البعثة.

- والسؤال الثانى ونجيب عنه فى المقال القادم إن شاء الله: متى شرّع الجهاد القتالى أى الحرب وما هى حدوده وأهدافه وضوابطه؟








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة