محمد الغيطى

انتحار البهجة

الخميس، 14 أغسطس 2014 11:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أنوى الكتابة عن الضمير.. عن نوع وجودة الحياة فى مصر.. عن المصريين الذين حباهم الله كل سبل العيش الكريم ولكنهم أصيبوا بحكام وحكومات من أبناء إبليس، نهبوا خيرهم وأفسدوا فى الأرض وكونوا الثروات الطائلة من دماء الشعب وعلى حساب أرواحه المكدودة، كنت أنوى الكتابة عن هذا الشعور بالأسى والحسرة الذى يغمرنى كلما عدت من رحلة للخارج حيث بلاد تحترم آدمية الإنسان ولا تذله أو تقهره من أجل لقمة عيش أو عمل شريف.. عن بلاد شوارعها تسر القلب والعين.. بيوتها آية فى الجمال والسير فى طرقاتها متعة، والمرور كما ساعة بيج بن والوجوه بشوشة رغم اختلاف الأديان والأعراق والألوان لكن الجميع يحترم القانون والحق فى الحياة.
كنت أنوى الكتابة عن الإتقان فى العمل واحترام الآخر والتقدم وفى المقابل الفوضى التى نعانيها فى شوارعنا وقبح شوارعنا وبيوتنا وأسطح عماراتنا والعشوائية فى كل مناحى حياتنا والمقارنات لا تنتهى، وأصدقكم القول سألت نفسى هل هناك جدوى لما أكتب أنا وغيرى؟ أثناء استغراقى فى السؤال العبثى فوجئت بخبر انتحار روبين ويليامز.. واحد من أجمل وأعظم فنانى الكوميديا فى العالم أطلقوا عليه صانع البهجة وفيلسوف الضحك الخجول، ومطور أسلوب كوميديا الموقف ومؤسس مدرسة الاستاند أب كوميدى فى العالم.. ماالذى يجعل فنانا مشهورا جدا وثريا يحصل على أعلى أجر بملايين الدولارات ويسكن فى قصر بكاليفورنيا، ويمتلك قصورا أخرى على المحيط بخلاف أسطول من السيارات وطائرة خاصة ومعجبين فى القارات الخمس أن ينتحر، ماهو المبرر الذى دفعه وهو يمتلك كل سبل السعادة والمتعة أن يشنق نفسه ليتخلص من الحياه، طبعا سيقول البعض إنه مجنون وهذه إجابه نمطية وتقليدية جدا لأن الحقيقة أعمق والإجابة أصعب.
التغطيات الصحفية قالت إنه كان مدمنا للخمر ولكن زوجته قالت إنه دخل مصحة بإرادته وعولج وأنه كان يعكف على القراءة فى أيامه الأخيرة وكان قليل الكلام كثير الصمت وهذه حالة كثير من المبدعين والفلاسفه الذين أقدموا على الانتحار ولكن مامعنى الانتحار علميا، الانتحار suicidium أى قتل النفس هو المبرر للخروج من اليأس أو الغرق فى الاكتئاب أو المعاناة من الاضطراب ثنائى القطب، أو انفصام الشخصية ومعدلات الانتحار سنويا تزداد فى العالم من ثمانمائة ألف لمليون شخص ينتحرون ويرحلون بينما هناك عشرون مليون محاولة انتحار يتم إنقاذها والرجال أكثر من النساء بسبب الضعف تقريبا عكس مايتصور الكثيرون، وهناك الانتحار المقدس أو المحمود مثلما فى اليابان الهاراكيرى وهو انتحار الشخص المخطئ فى حق المجتمع شعورا بالذنب ووجع الضمير، مثلما فعل أكثر من وزير ومسؤول هناك عقبال عندنا، وأيضا فى مناطق الهند الشرقية عندما تنتحر الزوجة بعد رحيل زوجها وهذا كله نابع من عقائد مغايرة للإسلام الذى يحرم قتل النفس بذاتها أو بالغير.
شخصيا أتمنى أن يصاب الفاسدون فى مجتمعنا بداء الهاراكيرى الحميد ولكن هيهات لأن الذين يتاجرون فى الأغذية الفاسدة ويتحكمون فى سوق الدواء ويرفعون الأسعار ويتحكمون فى الأرزاق والمناصب وينهبون الأخضر واليابس جلودهم أسمك من البلاستيك وللأسف الذين ينتحرون فى بلادنا يكونون ضحايا الهم وضحايا الفقر واليأس ولصوصية متحجرى القلوب هل تذكرون عبدالحميد شتا الذى انتحر فى النيل، لأنه كان الأول على دفعته ولم يأخذوه فى الخارجية لأنه ابن فلاح؟ الله يرحمه ويرحم هذا البلد من مصاصى الدماء والناحرين لأبنائه بالمجان، ويرحم روبين ويليامز الذى لم يحتمل شر العالم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة