محمد أبو حامد

خواطر حول تجديد الخطاب الدينى "12"

الجمعة، 08 أغسطس 2014 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذكرنا فى المقالات السابقة، أن الجهاد القتالى أو الحرب فى الإسلام تكون لغرض واحد، وهو الدفاع عن النفس ضد الاعتداء, ويلزم الآن أن نؤكد أن إعلان الجهاد القتالى فى الإسلام من أحكام الإمامه بمعنى أنه من سلطات ولى الأمر ولا يجوز أن ينازعه فيها أحد, فأحكام الشريعة الإسلامية تنقسم إلى ما يسمى: بأحكام التبليغ, وأحكام الإمامة.

فأحكام التبليغ هى تلك التى خوطب بها كل فرد مباشرة, أى أنيط به مباشرة وجوب الانصياع لها بالتطبيق, دون وساطة إمام أو قضاء كسائر أنواع العبادات و المعاملات.

أما أحكام الإمامة فهى تلك التى خوطب بها أئمة المسلمين، بدءاً برسول الله من حيث هو الإمام الأعلى لسائر المسلمين وانتقالاً منه إلى من بعده من الأئمة والخلفاء والحكام بحيث يكون إمام المسلمين هو المسئول عن تنفيذها ورعايتها على الوجه الذى يرى أن المصلحة تقتضيه.

ويعد الجهاد القتالى أو الحرب فى مقدمة أحكام الإمامة, فلا خلاف فى أن سياسة الجهاد, بداية من تكوين الجيش وتسليحه وتدريبه ووضع خطط انتشاره وامتداداً إلى إعلان حالة الحرب, وإنهائها, ونظراً لذيول ذلك وأثاره - والتى قد تهدد بقاء الأمة - كل ذلك داخل فى أحكام الإمامة, وأنه لا يجوز لأى فرد من أفراد المسلمين أن يستقل دون إذن الإمام ومشورته, فى إبرام شىء من هذه الأمور, وقد اتفق العلماء أن من الإفساد فى الأرض الذى يوجب حد الحرابة أن يقوم أى فرد أو جماعة بمنازعة الإمام فى هذه السلطة, بتكوين مليشيات مسلحة بعيداً عن الجيش والشرطة أو إعلان حالة حرب وترويج هذا الإعلان بين العامة, ولنذكر طائفة من نصوص الفقهاء الدالة على ذلك.
ورد فى المغنى لابن قدامة قوله: "وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده, ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك".

وقال القرافى فى كتابه الإحكام: " إن الإمام هو الذى فوضت إليه السياسة العامة فى الخلائق, وضبط معاقد المصالح, ودرء المفاسد, وقمع الجناة وقتل الطغاة، وتوطين العباد فى البلاد إلى غير ذلك مما هو من هذا الجنس".

والحكمة من كون الجهاد داخلاً فى أحكام الإمامة أن هذا الواجب الخطير لا يمكن أن يحقق ثمرته المرجوة للمسلمين إلا إن كانت قيادته بيد جهة ذات حكمة ودراية, وتمتلك الأدوات والأجهزة التى تمكنها من التخطيط والتحليل الاستراتيجى بحيث تتخذ قرارها بناءً على ذلك خاصة فى زماننا الذى نعيش فيه و هو بالغ التعقيد, و قرار الحرب ليس بالأمر الهين وقد يترتب عليه انهيار الأمن القومى للبلاد إذا لم يؤخذ بحكمة فالأمر ليس دعوة للانتحار وإنما هو وسيلة للدفاع عن الأمة ومقدساتها, هذا وفى نفس الوقت يجب أن تمتلك هذه القيادة الشوكة والسلطة النافذة بحيث تنقاد لها الجموع ويستجيب لها الجيش ولا يمكن أن يتحقق ذلك ـ كما ورد فى كتاب حجة الله البالغة للدهلوى ـ إلا بقيادة دولة ذات سلطان ونفوذ تأمر فتطاع وتدعوا فينصاع الجميع, ومهما كان فى فئات الناس وأفرادهم وعلمائهم من الورع فى السلوك والعدالة فى التعامل, فلا يجوز لهم أن يتجاوزوا ولى الأمر فى أداء هذا الواجب, فإن مقومات السلطان من القوة الجامعة والشوكة النافذة, هى المطلوبة فى هذا المقام وإن صفات الورع والاستقامة الشخصية على الدين عاريةً عن هذا السلطان ومقوماته, ولن تقوم مقامه فى جمع كلمة المسلمين و حشد جهودهم و من ثم فلا يصح أن تتجاوز سلطة ولى الأمر فى ذلك, وقد أكد هذا المعنى الدقيق الإمام العز بن عبد السلام فى كتابه قواعد الأحكام فى مصالح الأنام.

ويستثنى من ذلك مقاتلة الصائل الذى هو هجوم إنسان أو فئة ما على حياة إنسان آخر أو على ماله أو عرضه فقد شرّع الله عز وجل فى هذه الحال دفاع الإنسان عن حياته وعن ماله وعن عرضه دون إذن من أحد, فمقاتلة الصائل داخله فى أحكام التبليغ لا فى أحكام الإمامة, وأساس ذلك ما رواه الترمذى وابن ماجة من حديث سعيد بن زيد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد, ومن قتل دون دمه فهو شهيد, و من قتل دون دينه فهو شهيد"، ويستثنى من ذلك أيضاً ما يسمى بحالة النفير العام: وهو حالة انهيار الأمن القومى بأن يقتحم عدو البلد قاصداً السطو على الحياة أو على الأعراض أو على الأموال، فيجب على المسلمين كلهم أن يهبوا هبة رجل واحد بدءاً من إمام المسلمين إلى عامة أفرادهم, لدرء العدوان وردع المعتدين.
وبالتالى فإن ما تقوم به الجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان من تكوين مليشيات مسلحة و تحريك هذه المليشيات لشن حروب ضد المجتمع ومنازعة ولى الأمر فى سلطته فيما يخص الجهاد القتالى, لا علاقة له بالجهاد المشروع فى الإسلام وإنما هو كما قلنا من قبل إفساد فى الأرض, وأن هذه الجماعات بذلك تمزق الأمة وتحقق مخططات أعدائها فى تدميرها ذاتياً والدلائل على ذلك كثيرة منها:
ما أذاعته إذاعة صوت أمريكا مساء السادس من مارس 1991 تقريراً جديداً من مجلس الأمن القومى الأمريكى لضرب القوى الإسلامية فى العالم وجاء فيه أنه يجب إشغال المسلمين بتناقضات, ليحارب كل منهم الآخر للقضاء على قوتهم, ويجب خلق عدوات بين التيارات الإسلامية وإقحام الدول التى لديها جماعات إسلامية فى خلافات ومشاكل تشغلها عن الاستقرار.
ونشرت مجلة الشئون الخارجية لسان حال وزارة الخارجية الأمريكية مقالاً فى عدد تشرين الثانى 1992 عن خطر الإسلام و أفضل الطرق لتفاديه والقضاء عليه وانتهى المقال أن الحل هو: تقطيع جسور التواصل والتضامن بين الدول العربية التى هى المصدر الأول للخطر الإسلامى، ثم العمل على إيجاد أكبر قدر من التناقض بين شعوب المنطقة وحكامها, بحيث يسودها القلق والاضطراب, و تنأى عن الهدوء والاستقرار.

ويقول برنارد لويس فى كتابه الشرق الأوسط والغرب: "إن الإسلوب الذى اختاره الغرب هو: تفكيك المنطقة بالفتن الطائفية, والتفتيت الاجتماعى والثقافى وافتعال الخصومات والفروقات, وتوسيع مواطن الاختلاف والمبالغة فى إبرازها, وليس من شك فى أن من يسعى إلى هذا يحزنه مشهد السلام بين الطوائف, ويسعده اندلاع التقاتل بينها ولعل من يستبعد دور الغرب فى إشعال فتيل هذا التقاتل هو واحد من اثنين: خادع أو مخدوع".

وأخيراً أحيل القارئ الكريم إلى قراءة كتاب بعنوان "التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين" لكاتبه: مارك كورتيس، وهو يتكلم بالتفصيل عن دور بريطانيا فى إنشاء الجماعات المتطرفة فى العالم العربى واستخدامها فى تنفيذ مخططات الغرب فى تدمير المنطقة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة