حنان شومان

وما أدراك ما الإعلانات.. فلا تستهن بها!

الجمعة، 08 أغسطس 2014 06:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ سنوات فى لقاء لى مع الفنان الكبير نور الشريف، وهو مفكر كبير قبل أن يكون فنانًا كبيرًا، قال لى إن العولمة وكل موبقات العصر الحديث الذى نحياه سببها الإعلان، وراح يشرح لى نظريته التى تتلخص فى أن الإعلان هو الذى خلق التطلع لدى البشر بدرجة غير مسبوقة، فدفع بالاستهلاك لأقصى درجاته، كما رفع معدلات الجريمة والفساد.. نظرية فى تفسيرها بالتفصيل فكرة احترمتها، ورأيت أنها تستحق التفكير والنقاش، والآن ونحن قد صرنا عبيد الإعلان بالمعنى الحقيقى للكلمة، حيث صار الإعلان سيد الموقف فى الدراما والبرامج وغيرها مما يتعرض له المشاهد للتليفزيون بصورة غير مسبوقة، فقد صار لزامًا علينا أن نناقش محتوى الإعلان، وتكراره، والمعانى التى يصبها فى وجدان المشاهد بصورة أكبر وأهم من أى دراما أو فن آخر، فالإعلان صار أكثر تأثيرًا من كل الفنون الأخرى، لأنه الأكثر إلحاحًا ونظرة على الشاشات، خاصة فى رمضان، سنتأكد أن الإعلان هو سيد الموقف.
كان الإعلان المصرى فيما سبق تتراوح أفكاره بين فكرة لإعلانات مسروقة من الإعلانات الأمريكية، ولم تكن الفضائيات عُرفت، وبالتالى فلم يكن أحد يكتشف السرقة بسهولة، أو مجرد استخدام لفتاة جميلة تهتز أمام الكاميرات بعبوة شاى أو شامبو أو أى منتج. وقليل من الإعلانات كانت تحوى فكرة مبتكرة خاصة بصانعها، وحين كان الأمر كذلك لم يكن للإعلان سطوة وتكرار مؤثر كما هو الآن، ولكن حاليًا انتشرت شركات الإعلان فى مصر، وبعضها عالمى الهوى، وأخرى مصرية خالصة، ولكن للأسف أغلبها يبث معانى وقيمًا سلبية للمشاهد، فهناك إعلان لأحد البنوك القومية الذى يعلن عن قروضه لـ«واحد عايز يجيب لعروسته شبكة ألماظ قيراط»، أو لأن أمًا ابنتها كسرت «فازة» غالية فراحت تكذب، والإعلان يقول لها «ماتحتاريش.. اعملى بطاقة البنك الفلانى».. يا راجل هل صرنا بهذه الرفاهية التى تتطلب أن يستلف الشاب علشان يجيب شبكة قيراط، ماذا يرسخ هذا الإعلان الذى يتكرر مئات المرات فى الساعة فى عقل المشاهدين، وخد عندك مثلًا آخر، إحدى شركات المحمول وجهت حملة لزيادة استخدام المحمول، لأن الدقائق رخصت، فأتت بأناس تتحدث فى الهيافة طويلاً طويلاً مثل الرجل الذى يريد «أرز بلبن ومافيش غير زبادى» وراح يتحدث لزوجته بعبط.. أى قيمة يرسخها مثل هذا الإعلان فى بلد يدفع مليارات فى الاتصالات فى الهيافة، ثم نشكو الفقر والعوز؟!
إعلان عن أحد المنظفات تظهر الصديقة الحاقدة فى عزومة لدى صديقتها تنتظر وقوع مصيبة لها، فتقع الابنة وتوسخ الأرض، فيظهر المنظف وتزداد الصديقة غلاً.. أى معنى يرسخه مثل هذا الإعلان؟!، فهل نضبت الأفكار حتى لا يبقى لنا إلا عشرات بل مئات من الأفكار المستفزة للإعلانات، مثل إعلان عن كومباوند علشان تعرف تفسح كلبك فى بلد أغلب مواطنيه ليست لديهم رفاهية الفسحة حتى فى حديقة عامة، لأن أغلبها مغلق بالجنزير! ثم هناك هذا الإعلان الشديد الاستفزاز الذى يتخذ من عبارة «ستات مصر عايزين إيه لوجو» ثم تقف المرأة لتقول: «معايا بنت عروسة عايزه ليها أى حاجة»!
وحدث ولا حرج على إعلانات بالمئات تطلب منك التبرع «إن شا الله بجنيه» من أول المستشفيات للجمعيات الخيرية، للملابس، للطعام، للمدارس، للجامعات حتى إننى فى لحظات أتصور لو أن هناك خواجة يشاهد تليفزيون بلدنا سيسأل نفسه ما هذا البلد الذى يطلب كل شىء بالتبرع؟.. التكافل فى المجتمعات مطلوب ومحمود، ويحدث، لكن ليس هكذا يكون التكافل، ثم هناك سؤال يستحق الإجابة: كم تدفع الجمعيات الخيرية وغيرها من ثمن لهذه الإعلانات؟، وأظن أنه كثير من ميزانيتها، مما يعنى أن المتبرع يدفع جزءًا من تبرعه فى الإعلان أيضًا.
الإعلان فن لا يقل قيمة عن الدراما وغيرها، فهو فكرة مبتكرة لثوان بالصوت والصورة والموسيقى لكى يدفع المشاهد له، ولكن حتى الصوت فأغلب أصحاب الإعلانات لا يلجأون إلا لصوتين أو ثلاثة دون محاولة ابتكار، فكما كانت إيناس جوهر، وهالة حشيش فى زمن هما أصوات كل الإعلانات، صار الآن طارق نور، وطارق أبوالسعود، وأسامة منير هم صوت كل المنتجات، فأين الابتكار؟
فى زمن مضى كان إعلان «ست سنية سايبة المية نازلة ترف من الحنفية» إعلانًا يعلّم الشعب الترشيد فى استهلاك المياه، لكننا الآن نعلن عن ملاعب الجولف أو نشحت التعليم والطعام والملابس، فهل صرنا أغنياء فى المياه أم فقراء لنمد يدنا؟.. بصراحة الإعلانات لخبطتنى، وإن كان كثير من الحديث بعد رمضان يدور حول هبوط الحوار، وغيره من سلبيات الدراما وتأثيرها، فأوجب أن يكون الحديث عن الإعلان أعلى صوتًا لأنه كل ثلاث دقائق دراما يقابلها خمس عشرة دقيقة من الإعلانات.. يعنى الإعلان أكثر إلحاحًا وتأثيرًا.... مش كده ولا إيه؟!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

Sami

Kolo Koom w I3lan Mobid el Ssarassir Koom

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة