صالح المسعودى يكتب: صاحب الحق الحصرى

أنا فقط صاحب العقل المستنير! أنا فقط صاحب الرؤية الثاقبة! أنا المثقف الوحيد! أنا فقط المدافع عن الدين وحامى حماه! أنا فقط الخبير السياسى المحنك! أنا فقط الخبير الاستراتيجى الجهبذ! أنا فقط، أنا فقط، أنا فقط.

هؤلاء عزيزى القارئ المحترم (بقدرة قادر) أصبحوا ملاك الحق الحصرى فهم الأكثر فهما والأكثر ذكاءً والأكثر ظهورا فى البرامج المختلفة، يقولون ولا يقال عليهم. وآه ثم آه لمن خالفهم الرأى، فبقية الشعب بالنسبة لهم تلاميذ أما هم فجهابذة العصر الحديث وأهل مشعل العلم والثقافة.

من أين وردت إلينا كل تلك الأشكال فجأة؟ هل معقول مصر تمتلك كل تلك الكوكبة من الخبراء فى كل شيء ويحدث فيها ما يحدث؟.

من أنتم؟ كما نطق بها القذافى (الذى وللأسف يتمنى شعبه الآن يوما من أيامه) لا يصدق هذا الشعب أننا نمتلك كل علماء العالم فى الاقتصاد (كما يقدم هؤلاء فى برامج التوك شو) وحال اقتصادنا كما يرى الجميع يحاول أن يتعافى من ترنح.

لم يصدق الشعب المدرك الواعى أننا نمتلك كل هذا الكم الهائل من خبراء السياسة الخارجية وقد مرت الفترة السابقة ودور مصر ينحصر دبلوماسيا ولم نكن نجد واحدا من هؤلاء الخبراء البارعين للمعاونة فى تحسين صورة مصر.

إذن من هؤلاء؟ الذين يمتلكون الحق الحصرى فى برامج (التوك شو) فعندما تستمع لمقدم البرنامج تجده يقدم (سى فى) للضيف وكأنه يستضيف (آينشتاين) وإذا به كل ما يعنيه أنه يمنح نفسه ألقاب الفهم والمعرفة والخبرة التى لا يضاهيها علم، فهو المثقف العالم فى مجاله.

قد يكون خيرا فعل الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما أدرك أهمية العلم والعلماء فى الفترة المقبلة (إذا كنا نريد لمصر أن تنهض)، فبادر مشكورا بتكوين مجلس يجمع فيه علماء مصر من الداخل والخارج حتى يشارك الجميع فى النهضة المرجوة.

فنحن لا نريد علماء (التوك شو) الذين صدعونا بأفكار لا تصنع إلا البلبلة فى الشارع فكل ما يهمهم هو إظهار قدراتهم الاقناعية ويهيمون فى أحلام وردية قد لا نستطيع تطبيقها على أرض الواقع
فقد لا أجد لوصفهم غير قول صديقى عندما يراهم حيث يبادر بقوله (عندما أرى هؤلاء أتذكر قول الشاعر (يا أهل المغنى دماغنا وجعنا دقيقه سكوت لله ***** دا احنا سمعنا كلام ما له معنى ويعين ويا ليل وياه).

عزيزى العالم الجهبذ المتفرد بعلمه لابد أن تعلم أن العالم الحق يجيد الفعل أكثر من القول فإن كنت لابد أن تتحدث فعليك أن تتحدث فى أماكن العمل والإنتاج وعلى الطبيعة فقد يستفيد العامل من غزارة علمك الفياض لا أن تتجه بعلمك لبرامج التلميع أقصد برامج (التوك شو) فكما أنها تذاع على الهواء فإنى أخاف على علمك الغزير أن يتطاير أيضا فى الهواء ولا تستفيد مصر من هذا العلم سوى ضرائب الإعلانات التى تتخلل برنامجك المشهور.