أكرم القصاص - علا الشافعي

د. محمد على يوسف

اعمل نفسك ميت

الخميس، 18 سبتمبر 2014 05:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من العادات الطريفة لحيوان الأبصوم أو الفأر الجرابى -وهو حيوان ينتمى إلى عائلة الشقبانيات، التى تتميز بوجود كيس أو جيب ملتصق ببطنه يحمل فيه صغاره- أنه يتظاهر بالموت عندما يحدق به الخطر!

إنه يلقى بنفسه على الأرض وينفخ بطنه متوقفا تماماً عن التنفس ومتقمصا هيئة الجيفة متى استشعر مخلوقا مفترسا يتربص به أو خطرا باديا فى الأفق يتهدده، مراهنا على طبيعة بعض تلك الحيوانات التى تأبى افتراس الجيف ولا ترضى إلا بصيد طعامها لذلك فالأبصوم ببساطة...
بيعمل نفسه ميت!

يشبه هذا السلوك ما أورده بعض الرحالة عن أهل بعض القبائل البدائية، ممن يسكنون الأحراش والمناطق التى تمتلئ بالكواسر والضوارى، حيث يتصنعون الموت إذا بدت لهم بعض تلك السباع عزيزة النفس التى يعلم عنها أهل تلك الغابات أنها لا تأكل الجيف وتعاف الموتى وتأنف نفوسها من إتيان الجثث الهامدة.

من هنا يرقدون فى أماكنهم ويحبسون أنفاسهم ولا يحركون ساكنا حتى يمر السبع بكبرياء مرفوع الرأس لا يعيرهم انتباها لعل تلك العادات والحيل هى أصل ذلك الإفيه الشهير للمرحوم علاء ولى الدين أثناء تلقيه الضربات الثقيلة من بعض شريرى الفيلم مفتولى العضلات فيقول لرفيقه بصوت مرتعش: اعمل نفسك ميت اعمل نفسك ميت.

لكن فى الحقيقة لم تعد قاعدة «اعمل نفسك ميت» مجرد إفيه ضاحك فى فيلم كوميدى أو سخرية عابرة من عدم قدرة البعض على مواجهة مخاوفهم، ولكنها صارت أصلا ومنهجا متبعا يعيش نمط من البشر على أساسه ويحيون فى ظلاله
نمط المتماوتين.

أولئك الذين يحلو لهم صمت القبور حين يلزم الكلام ويروق لهم رقود الموتى وسكون المتوفين، حين يستلزم الأمر بيانا أو يتعين عليهم صدعا وبلاغا.

اعمل نفسك ميت هو شعار كل متعصب أعمى الهوى عينيه عن رؤية عيب متبوعه، وهو خيار كل منحاز بعيد عن الإنصاف والتجرد حين يصدر ممن يتعصب له أو لهم نفس الخلل أو الخطأ الذى طالما ملأ الأرض صياحا واعتراضا من قبل لما رآه فى غيره.

اعمل نفسك ميت هو منهج كل عنيد مستكبر ممن جحدوا بالحق واستيقنته أنفسهم حتى إذا قيل لهم اتقوا الله وأنصفوا أخذتهم العزة بالإثم ولم تسمع منهم إلا صمتا إن لم تسمع مكابرة وغيا.

اعمل نفسك ميت هو سبيل أصحاب نفسية الضباع التى لا تقرب إلا الكسير لتنقض عليه وتفترسه، ولا تأتى إلا الميتة فتنهشها بينما تراها أجبن المخلوقات فى مواجهة صاحب البأس الذى ما إن يحمِّر لها العينين ويزمجر لها بالوعيد حتى تخنس وتنزوى مرمقة إياه من بعيد والذل والهوان يقطر من نظراتها.
اعمل نفسك ميت هو خيار كل متناقض كان يتسلى بالصدع بالحق فى وجه من يراه ضعيفا قد أمن عقوبته فاستأسد وأرغى وأزبد، فلما بدت الضراء وتكشفت البأساء خنس وكتم صوته وقصف قلمه وابتلع لسانه ولم يستطع استعماله فى الجهر بنفس الحق حين صار للحق ثمن وحين أصبح الصدع به مكلفا.

إن نكير المرء السابق يضع عليه مسؤولية أخلاقية خصوصا حين يجبن عن مثله مع وجود نفس المبررات فقط، لأنه خائف والخوف شعور إنسانى منه ما هو جبلى فطرى فليس كل خوف جبن، وليس كل خائف جبانا رعديدا، الخوف شعور معتبر خصوصا ما كان منه جبليا لكنه إن عطل مروءة الإنسان وأكسبه جبن الضباع جنبا إلى جنب مع خستها ودناءة صنيعها مع الضعيف، فحينئذ لا يكون الخوف معتبرا ولا مقدرا حين يكسر الخوف الهمة ويخرس اللسان ويقمع الصوت يكون ذلك هو الجبن والخور هنا يبرز شعار حيوان الأبصوم من جديد ليكون الخيار الأوحد لهذا النمط
شعار: اعمل نفسك ميت








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد

الموت والحياة

لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

عدد الردود 0

بواسطة:

عمرو الاهلاوي

لا حياة لمن تنادي

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة