أكرم القصاص - علا الشافعي

من طلعت حرب إلى "السيسى".. أحلام كبرى حققتها مساهمات المصريين وإرادتهم..الاحتلال الإنجليزى شكك فى قيمة مشروع "حرب" وأهلية الشعب لتنفيذه..و"أبو الاقتصاد" فضَّل الاستقالة لإنقاذ "بنك مصر"

الخميس، 18 سبتمبر 2014 02:39 ص
من طلعت حرب  إلى "السيسى".. أحلام كبرى حققتها مساهمات المصريين وإرادتهم..الاحتلال الإنجليزى شكك فى قيمة مشروع "حرب" وأهلية الشعب لتنفيذه..و"أبو الاقتصاد" فضَّل الاستقالة لإنقاذ "بنك مصر" الرئيس عبد الفتاح السيسى
كتب إيمان الوراقى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تكن فكرة الرئيس عبد الفتاح السيسى بتحويل مشروع "قناة السويس" لشركة مساهمة شعبية بالمستحدثة، فما فعله البطل القومى محمد طلعت حرب باشا، من تأسيسه بنك مصر وشركاته، يُعد بمثابة وضع خريطة وطنية يهتدى بها كل وطنى فى إنشاء الأكبر والأضخم من المشروعات التى من شأنها إحداث فارق اقتصادى واجتماعى وصناعى لدولته .

ثورة اقتصادية قام بها "طلعت حرب" بناء على تصورات معينة انبثقت من فلسفة فكرية ورؤية مستقبلية تبلورت لديه على مدى سنين طويلة من الكدح والكفاح والعمل المتواصل فى مدرسة الحياة.

لقد اجتمعت فى محمد طلعت حرب باشا منذ حداثته مجموعة من الصفات الممتازة صيرته من عظماء الرجال، فقد كان كاتباً وخطيباً ومؤرخاً واقتصاديا ووطنياً وفياً من الطراز الأول .

ولد محمد طلعت حرب باشا فى 25 نوفمبر عام 1867 بجهة الجمالية بالقاهرة، حصل على شهادة مدرسة الحقوق (الليسانس) فبدأ حياته الوظيفية مترجماً بقلم القضايا بالدائرة السنية التى كانت تتولى الأراضى الزراعية المملوكة للدولة، وتدرج فى السلك الوظيفى حتى عين مديراً لأقلام القضايا بالرغم من ميله إلى الأعمال الحرة، ثم اشتغل مديراً لشركة كوم أمبو التى كانت تعمل فى استصلاح وبيع الأراضى، ثم مديراً للشركة العقارية المصرية التى كانت تعمل فى مجال تقسيم وبيع الأراضى وعمل على تمصيرها حتى أصبحت غالبية أسهمها فى يد المصريين، وانصرف إلى دراسة الشئون الاقتصادية وعكف على تزويد نفسه بالعلوم والفنون والأدب ودرس اللغة الفرنسية وأتقنها، وقد مارس محمد طلعت حرب باشا التأليف ولاقت كتبه نجاحاً ورواجاً، ومن مؤلفاته كتاب علاج مصر الاقتصادى وإنشاء بنك المصريين أو بنك الأمة "نوفمبر سنة 1911" وقد جاء به:

مازالت الحاجة إلى إنشاء مصرف مصرى حقيقى يعمل بجانب المصارف الموجودة الآن فى مصر يمد يد المساعدة للمصريين، يحثهم على الدخول فى أبواب الصناعة والتجارة، ويحرضهم على الاقتصاد والاستفادة من الأعمال المالية التى تزداد يوماً بعد يوم ومازالت الفكرة فى تحقيق هذا الغرض تتجسم آنا بعد آخر تظهر أياماً على صفحات الجرائد ، ثم تختفى.

وتُعد معاصرته للثورة العرابية بمثابة الشرارة التى أيقظت الوطنية بداخله وبداخل كل الشباب وقتها مثل سعد زغلول وقاسم أمين وغيرهما، ففى عام 1907 كتب مقالا قال فيه: "نطلب الاستقلال العام ونطلب أن تكون مصر للمصريين وهذه أمنية كل مصرى ولكن مالنا لا نعمل للوصول إليها؟ وهل يمكننا أن نصل إلى ذلك إلا إذا زاحم طبيبنا الطبيب الأوروبى ومهندسنا المهندس الأوروبى، والتاجر منا التاجر الأجنبى، والصانع منا الصانع الأوروبى، وماذا يكون حالنا ولا (كبريتة) يمكننا صنعها نوقد بها نارنا ولا إبرة لنخيط بها ملبسنا، ولا فابريقة ننسج بها غزلنا ولا مركب أو سفينة نستحضر عليها ما يلزمنا من البلاد الأجنبية فما بالنا عن كل ذلك لاهون ولا نفكر فيما يجب علينا عمله تمهيدا لاستقلالنا إن كنا له حقيقة طالبين وفيه راغبين، وأرى البنوك ومحلات التجارة والشركات ملأى بالأجانب وشبابنا إن لم يستخدموا فى الحكومة لا يبرحون القهاوى والمحلات العامة وأرى المصرى هنا أبعد ما يكون عن تأسيس شركات زراعية وصناعية وغيرها وأرى المصرى يقترض المال بالربا ولا يرغب فى تأسيس بنك يفك مضايقته ومضايقة أخيه وقت الحاجة، فالمال هو (أس) كل الأعمال فى هذا العصر وتوأم كل ملك".

من المؤكد انشغال "طلعت حرب" بفكرته كثيرا، وتزاحم بخاطره العديد من الوسائل الفاعلة لتحقيقها، ولذا نجده وفى المؤتمر المصرى الأول انتهز اجتماع أعيان البلاد وكبرائها وعرضت لجنة المؤتمر فكرة إنشاء بنك مصرى وقرر المؤتمر بالإجماع وجوب إنشاء بنك مصرى برؤوس أموال مصرية، كما قرر اختيار محمد طلعت حرب باشا للسفر إلى أوروبا لدراسة فكرة إنشاء البنك بعد عمل دراسة كافية عن المصارف الوطنية وأسلوب عملها فى الدول الأوروبية، فلما صدر كتاب محمد طلعت حرب باشا بعد هذا، آمن كل مصرى بالفكرة التى يدعو لها وإلى تنفيذها، ولكن الحرب العالمية الأولى التى أعلنت فى 4 أغسطس سنة 1914 وقفت بالفكرة حيث هى: كلمات فى كتاب، وانتهت الحرب قبيل نهاية سنة 1918 وشبت الثورة المصرية العظيمة فى سنة 1919، فكان انطلاقها الطلقة الأولى فى وجوب إنشاء البنك حتى يتحقق استقلال الوطن الاقتصادى، ليكون عضداً وسنداً للاستقلال السياسى.

الزمن يعيد نفسه والمشككون فى قدرة الشعب المصرى وطموحه دائما ما يتواجدون فى كل زمان ومكان، فبنفس الروح التى تلقى بها البعض اكتتاب المصريين شهادات "قناة السويس، وجد أيضا طلعت حرب نفس تلك العقول المشككة فى قدرة المصريين على إنشاء البنك بأموال مصرية خالصة، فعقب دعوة حرب باشا يدعو لمشروعه أو لفكرته عند بعض المسئولين فحاولت سلطات الاحتلال معه كل الأساليب للتشكيك فى قيمة المشروع وفى عدم أهلية المصريين للقيام بمثل هذه المشروعات المالية.

يتشابه إلى حد كبير ما فعله المصريون من مساهماتهم فى إنشاء مشروع "قناة السويس" بما فعله طلعت حرب لإنشاء بنك مصر، خاصة بعدما أقنع محمد طلعت حرب باشا مائة وستة وعشرين من المصريين الغيورين بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به 80 ألف جنيه، تمثل عشرين ألف لهم، أى أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصرى بك من أعيان مغاغة، فقد اشترى ألف سهم.

وفى الثلاثاء 13 إبريل سنة 1920 نشرت الوقائع المصرية فى الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى "بنك مصر".

وكان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من المائة والستة والعشرين مساهماً جميعهم مصريون، وحرر بصفة عرفية فى 8 مارس سنة 1920 - أى بعد سنة على نشوب الثورة المصرية - ثم سجل فى 3 إبريل - أى بعد أقل من شهر وهؤلاء الثمانية هم:

أحمد مدحت باشا، يوسف أصلان قطاوى باشا، محمد طلعت بك، عبد العظيم المصرى بك، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفى أفندى، إسكندر مسيحه أفندى، عباس بسيونى الخطيب أفندى، والمذكورين يمثلون الأديان الثلاثة، وفى هذا برهان على أصالة الوحدة الوطنية التى شملت جميع أبناء الأمة إبان الثورة.

ونص عقد الشركة الابتدائى، على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والكامبيو والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والاعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية، والاشتراك فى إصدار السندات، وغير ذلك مما يدخل فى أعمال البنوك بلا قيد أو تحديد.

وأنه يجوز زيادة رأس المال بقرار من الجمعية العمومية للمساهمين، على أن يقوم بإدارة الشركة أو البنك مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضواً على الأكثر تنتخبهم الجمعية العمومية.

واستثناء من هذه القاعدة عين أعضاء مجلس الإدارة الأول .

وانتخب المجلس أحمد مدحت يكن باشا رئيساً، ومحمد محمد طلعت حرب باشا بك نائباً للرئيس وعضواً منتدباً، وظل شاغلاً كرسيه كذلك إلى سنة 1939.

واشترط العقد أن يملك عضو مجلس الإدارة مائتين وخمسين سهماً على الأقل، ولا يجوز له التصرف فيها طول مدة عضويته، وأن لا يكون عضواً بالجمعية العمومية من يملك أقل من خمسة أسهم، وفى مساء يوم الجمعة 7 مايو سنة 1920، احتفل بتأسيس البنك.

وقد تأسس بنك مصر حول المحاور الرئيسية الآتية:

- إنشاء بنك مصرى برأسمال مصرى وإدارة مصرية وكوادر مصرية ولغة تعامل عربية.
- تحويل تنموى للاقتصاد القومى من الاستثمار الزراعى إلى الاستثمار الصناعى وإثبات القدرات العقلية للإنسان المصرى.

وتأكد لمحمد طلعت حرب باشا نظريته فى أن فشل المحاولات الصناعية لا يرجع بحال من الأحوال إلى نقص إمكانيات البلد أو إلى طبيعتها الزراعية، وبدأت تتبلور لديه الرؤية حول إمكانية تأسيس قطاع صناعى تنبثق منه قنوات صحية توجه فيها مدخرات المصريين بتجميعها فى بنك وطنى مصرى ليخلق بهذا الوعى الصناعى المفقود، ومن ناحية أخرى الوعى الادخارى والاستثمارى بدلاً من عادة الاكتناز المتخلفة وبذلك تبلورت أهداف تأسيس بنك مصر ليصبح همزة الوصل بين أفراد الشعب وشتى القطاعات الاقتصادية بالبلد فوجود قطاع صناعى يعتبر أساسيا ورئيسيا لإتاحة الفرصة للقطاعات المساعدة ومنها النقل والتجارة والمال كى تزاول إنتاجها فى كفاية أكبر.

وقد اتبع محمد طلعت حرب باشا سياسة تخطيطية من الطراز الأول مبنية أساسا على إيمانه بأهمية الكيان الاقتصادى الذى أسسه فى القيام بدور البنك القابض الذى يؤسس مجموعة من الشركات المستقلة التى تدور فى فلكه فترفعه والقطاعات الاقتصادية الأخرى تدريجياً نتيجة التفاعل الطبيعى بينها جميعاً وأدت سياسته الرشيدة إلى الكثير من التطورات التى شوهدت فى الاقتصاد القومى والتى كانت مرتبطة إلى حد كبير بنشاط بنك مصر وشركاته أو كانت تمثل نتيجة من نتائجه.

وفى مدة قصيرة أسس محمد طلعت حرب باشا شركات عديدة من عام 1920 إلى 1938 وكانت وسيلته فى إنشاء هذه الشركات أن يقتطع جزءاً محدداً من أرباح البنك السنوية يظهر فى ميزانية كل عام تحت باب "مال مخصص لتأسيس أو تنمية شركات مصرية صناعية تجارية" يساهم به فى رأسمال الشركة بمقدار يكفل له الإشراف على سياستها، ويسهم المواطنون فى الباقى.

ولم يكن البنك الذى نجح محمد طلعت حرب باشا فى إنشائه مجرد بنك تجارى عادى بل كان بالنسبة لمؤسسيه مجرد وسيلة لغاية أكثر أن يقوم البنك بتجميع مدخرات المصريين ثم يعمل على إعادة توظيفها فى إنشاء شركات مصرية تنتج كل احتياجات المصريين بالجودة المرتفعة والأسعار المنخفضة ومن ثم تحول البنك إلى ما يشبه الشركة القابضة بل كان ذلك بالفعل حيث إنشاء العديد من الشركات، ومع كثرة عددها فأنها كانت تربط بهدف واحد "وهو أن تكمل بعضها البعض" وهو ما يعرف بالنشاط الاقتصادى التكاملى.

ولم تكن تلك الشركات مجرد منشآت مالية بحتة غرضها الأساسى الربح المادى - ولكنها فى الواقع منشآت صناعية قومية تسعى لسد بعض الحاجات الضرورية للاستهلاك المحلى وهى فى الوقت ذاته معاهد فنية لتدريب أكبر عدد من الأيدى المصرية على جميع الشئون الصناعية والاقتصادية والمالية.

وقد انطلق البنك فى تحقيق مهمته الضخمة الوطنية، فقدم للشعب ما عجزت أو أحجمت عن تقديمه البنوك الأجنبية، وانتشرت فروعه فى كل مكان.

وعندما تعرض بنك مصر للأزمة التى افتعلها الاحتلال البريطانى والبنك الأهلى المصرى - فى ذلك الوقت - الذى رفض أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية، وسكوت الحكومة التى تركت صندوق توفير البريد يسحب كل ودائعه من بنك مصر، تحامل الرجل العظيم على نفسه وذهب إلى وزير المالية "حسين سرى باشا" يرجوه واحدا من ثلاثة أمور، إما أن تصدر الحكومة بيانا بضمان ودائع الناس لدى البنك، أو أن تحمل البنك الأهلى على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد، قال سرى باشا "بشرط واحد "

فسأله محمد طلعت حرب باشا: ما هو؟
قال سرى باشا: أن تترك البنك .
قال محمد طلعت حرب باشا على الفور: من الآن، ما دام فى تركى حياة للبنك فلأذهب أنا وليعيش البنك .
وجاء هذا دليلا آخر على عبقرية محمد طلعت حرب باشا، فقد أيقن أنه لا دوام للفرد.. وإنما الدوام لذكرى الفرد وعمله.
وقد اختار محمد طلعت حرب باشا أن يستبقى عمله.. الذى جسد فكره.
وهو فى نفس الوقت لم يُضح بذكراه فقد حفظها عمله، الذى جسد فكره.

يذكر أن الكاتب الأمريكى إيريك ديفيز قام بتأليف كتاب بعنوان (طلعت حرب وتحدى الاستعمار.. دور بنك مصر فى التصنيع 1920 - 1941) وهى دراسة أكاديمية نال عنها رسالة الدكتوراه من جامعة شيكاغو.

وتزوج "حرب" فى بداية شبابه ولكن توفيت زوجته فى سن مبكرة، ولم يتزوج بعدها، وله ابن واحد (حسن) توفى فى مطلع شبابه، إضافة إلى أربع بنات فاطمة (توفيت عام م 1976م) وعائشة (توفيت عام 1988م) وخديجة (توفيت عام 1997م) والصغرى هدى (توفيت عام 1996م)، أما أحفاده وحفيداته فقد عملوا فى شتى المجالات من أبرزهم: السفير جلال عزت الذى كان سفيرا لمصر فى الفاتيكان وهولندا ( توفى عام 2006).




موضوعات متعلقة :


قناة السويس الجديدة حلم وطن.. مصرية تحمل الجنسية الفرنسية عادت إلى بنى سويف لتشترى شهادات القناة بـ3 ملايين..وتؤكد:جدى باع "عفش بيته" للمساهمة فى إنشاء أول بنك وطنى مع طلعت حرب.. وتؤام يشارك بـ70 ألفا









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

SomaHussein

المصري الأصيل

أصل ده مصري عارف قيمه بلده بجد

عدد الردود 0

بواسطة:

m

رحم الله طلعت حرب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة