محمد أبو حامد

خواطر حول تجديد الخطاب الدينى

الخميس، 25 سبتمبر 2014 11:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«إذا كان حفظ الشريعة لازما حتى لا يخرج منها شىء فكذلك صونها عن أن يدخل فيها ما ليس منها ألزم وآكد، فإن الأول يحمل على التقصير فى العمل، لكن الثانى يحمل على التزييف والكذب على الله والرسول».
- لا شك فى أن السُنة النبوية هى المصدر الثانى لمعرفة الشريعة وأحكام الدين فى الإسلام، وقد ورد فى القرآن الكريم معجزة النبى الكبرى أكثر من آية تؤكد هذا المعنى، وتحث المسلمين على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله تعالى من سورة النحل، آية 44: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، فالرسول هو المبين لقواعد فهم القرآن بقوله وعمله وتقريره، ولذلك عندما سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها عن خلق رسول الله، أجابت عن ذلك بعبارة بليغة توضح أن أفعال الرسول كانت تطبيقًا عمليًا للقرآن، فقالت فيما رواه مسلم عنها: «كان خلقه القرآن»، ولذلك جاءت الآيات تأمرنا بالحرص على اتباع السُنّة، وأن نتخذ من الرسول الأسوة الحسنة، ومنها قوله تعالى من سورة الأحزاب، آية 21: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»، وقوله من سورة الحشر، آية 7: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ», وكذلك قوله من سورة آل عمران، آية 31: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، فهذه النصوص توجب على المسلمين أن يعرفوا كيف يحسنون فهم هذه السنة الشريفة، وكيف يتعاملون معها فقهًا وسلوكًا وقد بيّنا فى المقالات السابقة قاعدة مهمة فى فهم السُنة، والتعامل معها فى ظل الخصوصية والمرحلية التى تحكم معظمها، إلا أن آليات وقواعد فهم السُنة ليست هى المشكلة الوحيدة المرتبطة بها.
- فعلى الرغم من منزلة أحاديث النبى، وتأثيرها المباشر على الشريعة والفكر الإسلامى، فإن هناك الكثير من الأحاديث والأقوال الضعيفة والمكذوبة التى نسبت للرسول افتراء وكذبًا عليه، ومع الأسف قد انتشرت هذه الأحاديث بين الناس، وظن كثير منهم أنها تعبر عن حقيقة الدين، وأدى ذلك إلى تحريف وتزوير الشريعة والفكر الإسلامى، وبالتالى فإن توثيق الأخبار والأحاديث التى تنسب للرسول والتحذير من الضعيف والمكذوب فيها يعد من أهم وسائل حماية الدين، ومعالجة إشكاليات فهم السُنة، فإذا كان حفظ الشريعة لازمًا حتى لا يخرج منها شىء، فكذلك صونها عن أن يدخل فيها ما ليس منها ألزم وآكد، فإن الأول يحمل على التقصير فى العمل، لكن الثانى يحمل على التزييف والكذب على الله والرسول، وقد وردت أحاديث تحذر من تعمد الكذب على صاحب الرسالة، وتعتبر ذلك طريق الخلود فى النار، ومنها ما رواه البخارى ومسلم من حديث المغيرة عن رسول الله أنه قال: «إِنَّ كذِبًا علىّ ليس ككذِبٍ على أحدٍ، مَن كَذَبَ علىّ مُتعمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ منَ النار»، أى من يكذب على النبى متعمدًا ويدخل فى الدين ما ليس منه حتمًا سيدخل النار، وعلى الرغم من ذلك وجدنا بعض الدعاة يذكرون الكثير من الأحاديث الضعيفة والمكذوبة فى خطبهم ودروسهم خاصة فى مجال التزكية والترغيب والترهيب.
- وقد رواى ابن جرير، وابن عدى وغيرهما عن رسول الله ما يجب على المسلمين تجاه السُنة النبوية والعلم الشرعى بصفة عامة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ»، فالحديث ذكر ثلاث آفات يتعرض لها علم النبوة والشريعة على أيدى الغلاة والمبطلين والجاهلين، وذلك على النحو التالى:
- تحريف أهل الغلو: أى التحريف الذى يأتى عن طريق التنطع فى الدين، ومخالفة «الوسطية» فى الفهم التى تميز بها هذا الدين، و«السماحة» فى التعامل مع النفس والآخرين، والتى وصفت بها هذه الملة الحنيفية، و«اليسر والتخفيف» الذى اتسمت به التكاليف فى هذه الشريعة والذى يعبر عن مراد الله فى خلقه إنه الغلو المُهلك سواء كان فى العقيدة أو فى العبادة أو فى السلوك، فخرج بالدين عن سهولته، وشرع فيه ما لم يأذن به الله، وحرم على الناس ما أحل الله، فحمّلهم بتكاليف لم يفرضها الله، قال تعالى فى سورة المائدة محذرًا من الغلو: « قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ»، وروى ابن عباس عن الرسول أنه قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِى الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِى الدِّينِ» وهذه الآفة نتجت عن جماعات التطرف والإرهاب التى ظهرت على مر التاريخ الإسلامى، بداية من الخوارج وانتهاءًً بداعش والقاعدة وجماعة الإخوان الذين جمعوا بين الغلو والجهل به وبقواعد فهمه، وهذه الآفة تقاوم بتصحيح المفاهيم وإبراز الفهم الصحيح والمعتدل للدين.
- تأويل أهل الجهل: إنه التأويل السيئ والفهم الردىء، وهو من شأن الجاهلين بهذا الدين، فليس لهم من الرسوخ فى العلم، ولا من التجرد للحق ما يعصمهم من الزيغ والانحراف فى الفهم، وقد ذكر الإمام ابن القيم فى كتاب «الروح» ضرورة حسن الفهم عن الرسول كلمات معبرة حيث قال: «إن سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعه وضلالة نشأت فى الإسلام بل هو أصل كل خطأ فى الأصول والفروع ولاسيما إن أضيف إليها سوء القصد».
- انتحال أهل الباطل: وهو محاولة أهل الباطل أن يدخلوا على الدين، وعلى المنهج النبوى ما ليس منه، وأن يلصقوا به من المحدثات والمبتدعات التى تتعارض مع طبيعته، وتصطدم بمصالح الناس، وظروف وتطورات الحياة، فهم لما عجزوا عن إضافة شىء إلى القرآن المحفوظ بقدرة الله فى صدور المؤمنين والمسطور فى المصاحف، حسبوا أن طريقهم إلى الانتحال فى السنة ممهد، فنسبوا لرسول الله ما لم يقله أو يفعله، فشاعت بين الناس أباطيل أفسدت المعتقدات والمعاملات، وأدت إلى ظهور الكثير من الأمراض الأخلاقية والسلوكية بين المسلمين ولذلك وجب على المسلمين فى كل زمان أن يعيدوا النظر والتأمل فيما ينسب للرسول من أقوال وأفعال، وغيرها حتى يكتشفوا ما افتراه أهل الباطل ويحذروا منه الناس، وذلك من خلال قواعد قبول ورد الأحاديث، وقد وضع علماء السنة خمسة شروط لقبول الأحاديث: ثلاثة منها فى السند: ««هو رواة الحديث عن رسول الله سواء كانوا رجالًا أو نساء»، واثنان فى المتن: ««هو نص الحديث سواء كان قولًا للرسول أو فعلًا ينسب له أو موقفًا أقرّه»، وذلك على النحو التالى:
- فلابد فى السند من راوٍ واعٍ يضبط ما يسمع ويحكيه بعدئذ طبق الأصل.
- ومع هذا الوعى الذكى لابد من خُلق متين، وضمير يتقى الله ويرفض أى تحريف.
- وهاتان الصفتان يجب أن تتحققا فى سلسلة الرواة، فإذا اختلتا فى راوٍ أو اضطربت إحداهما فإن الحديث يسقط عن درجة الصحة.
- أما نص الحديث فيجب ألا يكون شاذًا.
- وألا تكون به علة قادحة.
- وسوف نعرض فى المقال القادم إن شاء الله شرحًً وأمثلة لهذه الشروط الخمسة، وكيف يطبقها العلماء على الأحاديث النبوية، خاصة ما يرتبط بالمتن.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة