أكرم القصاص - علا الشافعي

سعد الدين الهلالى

الجهر بتكبير العيد فى أيام التشريق

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014 12:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العيد مشتق من العود، وهو الرجوع والمعاودة، وسمى بذلك لأنه يتكرر وينتظره الناس بعاداتهم المستحبة، والعيد فى اصطلاح الفقهاء يطلق على يومى الفطر والأضحى من كل عام، فقد أخرج أحمد والنسائى بإسناد صحيح عن أنس بن مالك، قال: كان لأهل الجاهلية يومان فى كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبى- صلى الله عليه وسلم- المدينة، قال: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى».
وأما أيام التشريق فهى الأيام الثلاثة التالية ليوم الأضحى، وسميت بذلك لأن لحوم الأضاحى تشرق فيها، أى تقدد فى الشمس، وقد أجمع الفقهاء على أن التكبير من شعائر العيد وأيام التشريق فى الجملة، ولكنهم اختلفوا فى صفة تلك الشعيرة فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه سنة مؤكدة؛ لأن ثبوته جاء على سبيل الخبر أو الفعل، وليس على سبيل الأمر الجازم، وذهب الحنفية فى الصحيح عندهم إلى أنه سنة فى العيدين وواجب عقب الصلوات الخمس فى أيام التشريق لأنها المعدودات التى أمر الله الحاج بالذكر فيها، والواجب عند الحنفية أعلى من السنة ودون الفرض، وإنما لم يكن فرضاً لاختلاف العلماء فى تحديد تلك الأيام فقد قال ابن عباس إنها أربعة يوم النحر وثلاثة بعده، وقال الإمام على إنها ثلاثة يوم النحر ويومان بعده، فلأجل الخلاف نزل الحكم من الفرض إلى الواجب.. وذهب الإمام أبوحنيفة إلى عدم ثبوت شعيرة التكبير فى أيام التشريق لاختصاص تلك الشعيرة بيوم العيد، وذهب الظاهرية إلى أن التكبير واجب ولو مرة واحدة فى ليلة عيد الفطر أو يومه، لظاهر الأمر به فى قوله تعالى: «ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم» «البقرة: 185»، وهذا فى مناسبة الفطر. أما التكبير فى عيد الأضحى فسنة كما ذهب الجمهور؛ لأن الأمر به جاء بالإشارة وعلى سبيل التخيير فى التعجيل، كما قال تعالى: «واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه» (البقرة: 203). يقول ابن رشد: «فهذا الخطاب وإن كان المقصود به أولاً أهل الحج فإن الجمهور رأى أنه يعم أهل الحج وغيرهم، وتلقى ذلك بالعمل، وإن كانوا اختلفوا فى التوقيت فى ذلك».
وقد أجمع الفقهاء على استحباب الجهر بالتكبير فى طريق مصلى العيد فى الجملة، لإعلاء الشعيرة واتباعاً للسلف كابن عمر وغيره، ولما أخرجه البيهقى بسند ضعيف عن ابن مسعود أن النبى- صلى الله عليه وسلم- كان يخرج فى العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتى المصلى، وكان مع النبى- صلى الله عليه وسلم- الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن.
وذهب الإمام أبوحنيفة خلافًا لصاحبيه والجمهور إلى كراهة الجهر بالتكبير فى طريق مصلى عيد الفطر دون عيد الأضحى؛ لما روى عن ابن عباس أنه حمله قائده يوم الفطر فسمع الناس يكبرون، فقال لقائده: أكبر الإمام؟ قال: لا. قال: أفجن الناس؟ قال الإمام الكاسانى: فلو كان الجهر بالتكبير سنة لم يكن لهذا الإنكار معنى ولأن الأصل فى الأذكار هو الإخفاء إلا فيما ورد التخصيص فيه، وقد ورد الجهر بالتكبير فى عيد الأضحى فبقى الأمر فى عيد الفطر على الأصل بعدم الجهر.
أما الجهر بالتكبير فى مصلى العيد وعقب الصلوات المكتوبة يوم العيد وأيام التشريق فلا يستحب عند جمهور الفقهاء فى المذاهب الأربعة إلا أن يحتاج إلى الجهر للتعليم، وقد عد أئمة المالكية الجهر بالتكبير فى يوم العيد بدعة، كما حكاه النفراوى فى «الفواكه الدوانى»، لعموم قوله تعالى: «ادعوا ربكم تضرعا وخفية» (الأعراف: 55) أى سراً فى النفس تذللاً واستكانة ليبعد عن الرياء، ولأنه أقرب إلى الإخلاص، وبذلك أثنى الله تعالى على نبيه زكريا فى قوله سبحانه: «إذ نادى ربه نداء خفيا» (مريم:3).
وذهب بعض الفقهاء من المالكية والحنابلة إلى استحباب الجهر بالتكبير عقب الصلوات المكتوبة يوم العيد وأيام التشريق، لما أخرجه البخارى عن ابن عباس قال: «كنت أعرف انقضاء صلاة النبى- صلى الله عليه وسلم- بالتكبير». وقد أجاب الإمام الشافعى عن هذا الحديث ونحوه بأن النبى- صلى الله عليه وسلم- جهر ليعلم الصحابة صفة الذكر لا أنه كان دائمًا.
وقد اختار المصريون قول بعض المالكية والحنابلة الذين ذهبوا إلى استحباب الجهر بالتكبير عقب الصلوات المكتوبة فى يوم العيد وأيام التشريق من باب إعلاء الشعيرة مع صحة العمل بهذا القول، وترك المصريون قول جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى عدم استحباب الجهر بالتكبير عقب الصلوات المكتوبة يوم العيد وأيام التشريق، ولم يكن تركهم لمذهب الجمهور فى هذه المسألة تجرؤا عليهم، وإنما لكون ما ذهبوا إليه لا يشبع عاطفة المصريين الإيمانية، مع تيقنهم بأن كل قول فقهى صادر من أهل الاجتهاد لا يوصف بالعصمة وإنما يوصف بالصواب الذى يحتمل الخطأ، وأن السيادة فى الاختيار الفقهى للمتلقى، لما أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن عن وابصة بن معبد، أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال له: «استفت قلبك استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك».








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

طيب افتح الشباك ولا اقفله - معندناش وقت للتوهان

بدون

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة