محمد شومان

الباشا والمعالى.. درس فى اللامعنى

الأحد، 04 يناير 2015 10:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ألغت ثورة يوليو 1952 الألقاب مثل بيك، وباشا ومعالى، وحضرة صاحب الدولة، وصاحب السعادة، وصاحب العزة.. وكلها كانت من تأثيرات الاستعمار التركى لمصر والدول العربية، حيث كانت هذه الألقاب تمنح لأشخاص وصلوا إلى مناصب قيادية سواء فى أجهزة الدولة أو الجيش والشرطة، كما كان بعضها يمنح لرجال أعمال وإقطاعيين كبار لأسباب شخصية تتعلق برضا الملك أو مقابل تبرع سخى، لذلك كان يقال إن بعض الألقاب كانت تباع وتشترى لكن تلك الألقاب وغيرها لاتزال مستخدمة فى الأنظمة الإدارية لعدد من دول الخليج، أى أن لها طابعا رسميا، كما أنها معتمدة فى الإعلام الخليجى وتستعمل على نطاق واسع قبل أسماء الأمراء والشيوخ والوزراء.

فى مصر اختفت تلك الألقاب رسميا لكنها ظهرت بقوة فى الثمانينيات مع الانفتاح وبدايات الفساد والفوضى فى جمهورية مبارك وانتشرت على المستوى غير الرسمى فى أحاديث الناس فى الشارع وفى مؤسسات الدولة واتخذت تلك الألقاب فى الاستعمال اليومى مساريين متعارضين، الأول فى الاستخدام الشفاهى فى أجهزة الحكومة والشرطة وبين المواطن عندما يخاطب موظفا حكوميا، وبين الموظفين الأقل درجة عندما يخاطبون رؤساءهم، وبغض النظر عن أسباب بقاء تلك الألقاب فإنها تشير أيضًا إلى أن التغيير الاجتماعى والاقتصادى السريع لثورة يوليو لم يتمكن من إحداث تغيير ثقافى يوازيه، لأن الأخير دائما بطىء ومعقد ويحتاج لعشرات السنين.أما الاستخدام الثانى لألقاب البيك والباشا فينتشر فى لغة الاستخدام اليومى بين متوسطى الحال والفقراء والمهمشين، هؤلاء اتفقوا بلا ترتيب مسبق على تدمير كل المعانى والرموز الطبقية لتلك الألقاب، فسائق التوتك مثلا أو الميكروباص يخاطب ركابه «يا باشا»، ويمكن رصد فائض الاستعمال اليومى لهذه الألقاب بين مواطنين بسطاء لا يصل مستواهم الطبقى والاجتماعى إلى مستوى الأفندى.. قبل ثورة يوليو 1952.

هكذا انتقم الفقراء والمهمشون من الألقاب البراقة التى كانت تصنع حواجز مادية ومعنوية بين أصحاب السلطة والمال وبين بقية أبناء الشعب، وربما أصبحت وسيلة للتندر والتنكيت والتبكيت!! لكن الغريب أن هناك عودة بعد ثورة يناير لاستخدام لقب معالى فى مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص ووسائل الإعلام للقب معالى!! ربما فى محاولة للإبقاء على الأوضاع القديمة التى رسخها نظام مبارك، لا أجد فى الحقيقة تفسيرا مقنعا لتلك العودة غير الحميدة، لكن أحد التفسيرات أننا استوردنا اللقب من دول الخليج «كما استوردنا السلفية المتطرفة»! أو حدث دعم خليجى غير مقصود لعودة لقب المعالى، حيث يذكر اسم أى وزير مصرى مسبوقا بمعالى، مهما كانت الأسباب فإن عودة الألقاب ظاهرة تتعارض والمساواة بين المواطنين التى نص عليها الدستور والذى لا يوجد قانون بها فى مصر، ومن ثم أتمنى أن ينتبه الإعلام العام والخاص إلى ضرورة التوقف عن استعمال تلك الألقاب، لأنه لا معنى لهذه الألقاب اجتماعيا وسياسيا، وبغض النظر عن الأصل التركى لمعالى، فهناك من يرى أنها جمع معلاة، وهى كسب الشرف، وعليه الناس: جلَتهم، والعلو أى العظمة، والعلياء: رأس الجبل ومن أسماء السماء، والسؤال هل يكفى أن يعين شخص لعدة أشهر وزيرا حتى يصبح عظيما؟ السؤال مشروع ويجب التفكير فيه بعمق خاصة بعد ثورة يناير التى سمحت لعشرات من محدودى الكفاءة والخبرة من دخول الوزارة ثم الخروج بدون أن يتركوا أى بصمة أو إنجاز.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة