المستشار السابق لرئيس موريتانيا محمد ولد أمين: أهديت روايتى للمحامين لصمودهم أمام الاستبداد ولم أقرأ "الفيل الأزرق".. و"ساق البامبو" لا تشبه "منينة بلانشيه".. والموريتانيون حكاؤون أكثر من غيرهم

الثلاثاء، 10 مارس 2015 04:18 م
المستشار السابق لرئيس موريتانيا محمد ولد أمين: أهديت روايتى للمحامين لصمودهم أمام الاستبداد ولم أقرأ "الفيل الأزرق".. و"ساق البامبو" لا تشبه "منينة بلانشيه".. والموريتانيون حكاؤون أكثر من غيرهم الكاتب الموريتانى محمد ولد أمين
حاوره بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
باحثًا عن سيرة أمه، يسلم جوزيف بلانشيه أو أحمد ولد خيبوزى جسده لصديقه الطبيب النفسى الدكتور برنارد ليجرى عليه أحد أبحاثه التى يرى فيها أن الإنسان لا يرث القسمات البيولوجية فقط من والديه بل يرث معها الذاكرة، متخذًا من الصيام بوابة لولوج هذه الذاكرة التى يرغب فيها استدعائها.

وبدخوله لعالم الأحلام، يخلط الكاتب الموريتانى محمد ولد أمين، بين ما هو متخيل وما هو تاريخى وأسطورى، ليظل بين عالمين، ماضى وحاضر، وزمن يبدأ فى ثلاثينيات القرن الماضى، فيتعرف على سيرة أمه التى فتنت الشعراء وجلست على عرش موريتانيا إبان الاحتلال الفرنسى، وجدّه قاطع الطرق وشيخ قبيلة المناذير مختار الأعيور، وكيف أغرم باتريك بلانشيه، حاكم نواكشوط بـ"منينه" وتزوجها، وكيف استعان "باتريك" و"منينة" بالحارس الموريتانى لتنجب منه "منينة" ابنها، الذى يصبح محل نزاع بين فرنسا وموريتانيا.

حول معاناة جوزيف بلانشيه / أحمد ولد خيبوزى، ورحلته فى المجتمع الموريتانى وصراع من أجل استعادة أملاك أمه، وقيامه باللجوء إلى القضاء ضد رئيس الجمهورية الموريتانية كان لـ"اليوم السابع"
هذا الحوار..

بدايةً.. ما الذى تمثله "منينة بلانشيه" إليك على المستوى الشخصى؟


رواية "منينة بلانشيه" تمثل الكثير بالنسبة لى فهى رواية التواصل والتقاطع، رواية اللقيا العظيمة بين جيلين مختلفين فى فكرهما ونظرتهما للحياة، إنها قصة تروى حيثيات التواصل بين جيل مبهور من الصدمة الاستعمارية وجيل متحرر من عقد الدونية ويسعى بكل توثب وحيوية لاستعادة حقوقه التاريخية ووضع اليد على كل ميراثه الحضارى المحلى والعالمى.

أهديت روايتك إلى المحامين المتشحين بالسواد حدادًا على العدالة المختطفة.. ألا ترى أنه من الغريب أن يصدر هذا الوصف من وزير سابق ومستشار فى رئاسة الدولة؟


المحاماة هى أنبل المهن عبر التاريخ لما فيها من جدلية وحياة، وأختام النبالة التى تمتلكها مهنة المحامى تمتد إلى جذور ضاربة فى القدم، فالمحامى رغم غلواء الاستبداد ظل واقفًا شامخًا فى كل مكان، والمحامى العربى لم يتوانَ فى القيام بدوره العظيم رغم ظلمات الاستبداد والفرعنة.

فى موريتانيا للمحامين قصة طويلة فى تأسيس هذه الدولة العجيبة التى خلقت ذات صباح بإرادة رجل قانون من الطراز النادر عبر مفاوضات راقية وشديدة التعقيد مع فرنسا المستعمرة.

الأستاذ مختار ولد داداه الرئيس المؤسس لموريتانيا - رحمه الله – هو من يملك رقم 01 فى قائمة سلك المحامين الموريتانيين وقد ترك آثاره بادية على المحاماة الموريتانية التى ما زالت تقارع وتساوم من أجل حياة أفضل لكل البشر بغض النظر عن معتقداتهم الفكرية وطبقاتهم الاجتماعية.

منذ أربعة عقود انهارت كل المؤسسات التنويرية هنا لكن ظلت نقابة المحامين قلعة حصينة لا تدخلها الأحادية والأصولية ولذلك فهى تستحق التنويه والتقدير أكثر من غيرها، وهذا سبب الإهداء الذى أشرتم إليه.

حالة وزير أو مستشار مجرد حالات عرضية، قد تحصل فى حياة أى إنسان، خلافًا لممارسة المحاماة التى هى الأصل وهى الحالة الوجودية بامتياز، لذلك لا أجد أى غرابة فى أن يتحول رجال القانون لرجال دولة بل أجد أن ذلك هو الطبيعى والمألوف فى كل الأمم المتحضرة وربما مرد الاستغراب عند البعض لا يعدو نوعا من تعود العقل العربى على التحجر والهوان البيروقراطى الذى يجعل وجود المحامين فى الحياة العامة أمرًا غريبًا ونادر الحدوث!.

وإلى أى مدى يتطابق أو يتفق محمد ولد أمين مع جوزيف/أحمد والمحامى ولد بوياتو؟


لا أتطابق مع شخوصى ولا أتشابه معهم، بل أحافظ على مسافة كبيرة منهم، كل شخص عندى يختلف عن غيره فكل فرد وحدة مستقلة من المشاعر والأحداث والميول، جوزيف/أحمد هو الممثل الشرعى لجيل الهويات المتقلبة، جيل الشكوك والوساوس والمحامى ولد بوياتو هو تجسيد النضال العظيم الذى تقوم به الفئات المتعلمة من الطبقة الوسطى فى بلادنا من أجل إرساء نظام قانونى وسياسى قابل للحياة ويحترم الحد الأدنى من حقوق الإنسان.

وكما رأيت فالأستاذ ولد بوياتو ليس رجلاً مثاليًا وعظيمًا، حتى وإن كانت مشاكساته فى المحاكم تحمل فى طياتها نسقًا فلسفيًا كبيرًا، فى كل شخص منَّا أشياء تستحق الاهتمام وهذا التناقض أو التقابل هو طبيعة الآدمى المخلوق من طينة غريبة يختلط فيها نقاء الملاك بشرور الشياطين!

على مستوى السرد كانت هناك محاولة لإثارة فضول القارئ بمعرفة ملابسات تجربة الدكتور برنارد ونتيجتها خاصة حينما ثارت الشكوك حول مكونات الحبوب التى أعطاها لـ"جوزيف" إلا أنك قضيت على هذا الفضول ببساطة وكأن ما حاول جوزيف معرفته أو الوصول إليه أمر عادى انتهى بإجابة بسيطة من برنارد؟


تجربة الدكتور برنارد فى انعاش الذاكرة تتقاطع مع تجارب عديدة ومتناقضة فى التصوف الإسلامى وفى ممارسات الحلقات الروحية بآسيا وأوروبا نجد نفس المنهج، المهم هو أن الإيحاء والهمس أوصل للقارئ الكثير من الأفكار المغيبة، حتى حين أوردت احتمالية أن تكون هذه الحبوب مجرد حبوب مركزة من الكوكايين فليس ذلك طفالة ولا فضولاً، ولنتصور مثلاً أن كل المشاهدات لا تعدو "هلوسات مسطول" فأين المشكلة؟، نحن فى عالم يستهلك المخدرات والمحفزات بشكل عنيف، ومن الطبيعى بل من المرغوب سبر أغوار الأزمة الروحية والنفسية التى تولدت من عالمنا هذا ونمط حياتنا القلق والعنيف.

أتمنى أن يأتى وقت – وأخاله قريبًا - لدراسة مجتمعاتنا وتناقضاتها وتأثير المخدرات عليها وعلى نمط التفكير السائد!

ألا ترى أن الحبوب التى كان يتعاطها جوزيف وتساعده فى دخول عالم الأحلام تتشابه مع رواية "الفيل الأزرق" وخاصة أن بداية الحلم كانت تتجلى حينما يرى بصيص ضوء أزرق؟


إلى حد الساعة لم أقرأ هذه الرواية، ولا أعتقد أن وجود بقعة زرقاء فى الأفق وغيرها من الهلوسات البصرية حكر على شخصى أو على غيرى، فى بريطانيا أناس يسمون أنفسهم بنوادى البقعة الزرقاء ويزعمون أنها تكبر كلما اقترب منها شخص ما ويدرسون هذا النوع من الظواهر من كل جانب، هؤلاء هم من استلهمتهم فى نسج رواية "منينة بلانشيه".


تجربة الصيام "المختلفة" وعالم الأحلام كان بوابة لولوج التاريخ.. فلماذا؟ وكيف جاءتك هذه الفكرة؟


الصيام طقس جميل ونبيل بما فيه من تمنع ومكابدة، وهو موجود بصيغ مختلفة فى كل الديانات، وهو أيضًا من الطقوس الكبرى التى درج عليها أهل التصوف ويعتقدون أن فى التخلص من كثافات المادة ما يؤدى تلقائيًا إلى الاقتراب من ألطاف الروح، ونلاحظ أن بعض الكنائس يجعل الرهبنة تشترط الاضراب عن الطعام لفترات طويلة جدًا.

فى كل الديانات احتل الجوع مكانة تعبدية بارزة وقد أثبت علم البيولوجية الترابط الوثيق بين الصيام وقوة الذاكرة نتيجة لتداعيات هرمون "الليبيتين" الذى يسمى بهرمون الجوع وهو أكبر محفز للذاكرة.

على خلفية كل هذه العلوم والتجارب حصل اتكاء بسيط هدفه خلق جسر ضرورى للتواصل بين "منينة بلانشيه" ونجلها وهو تواصل عظيم واستحضار لروح تلك التى جلست على عرشنا ثم راحت مع من راحوا!

لقد أتتنى الفكرة صدفة حيث سبق والتقيت سنة 1997 بباحثين فى جامعة بروكسيل كانوا يجربون الصيام أو الإضراب عن الطعام ويدرسون تأثيره على الذاكرة، منهما من عاد القهقرى لأحداث حصلت لأمه وهو ما زال فى بطنها، والآخر يزعم مشاهدات استرجاعية لأحداث حصلت قبل مولده بكثير!

التباس الهوية الثقافية قضية لها تاريخ فى الأدب العربى وظهرت فى روايات مؤخرًا مثل "ساق البامبو".. ألا ترى أن هناك تشابهًا بين شخصية "عيسى" و"جوزيف" من حيث أزمة الشكل واللون لديهما؟


لقد قرأت مؤخرا هذه الرواية الجميلة، ولا أعتقد أن الحقل والتقنيات المتبعة تتشابه مع أعمالى، هذه رواية خرجت من أزمة العمالة الوافدة لدول الخليج وما يستتبعه وجودها من علاقات إنسانية خلافًا لرواية "منينة بلانشيه" التى تتطرق لأزمة وجودية غير عابرة فى عقل إنسان موريتانيا ما بعد الاستقلال وما أفرزه الاستقلال أى الانفصال من تبعات مستمرة فى تمزق الانتماء لبلد وليس فى حالة فردية ما.

ابن منينة ليس لقيطًا فقط بل هو كل شخص منا يتأرجح بين هويات مختلفة ثم يكتشف أن لا هوية ولا انتماء إلا لهوية الإنسان فقط!

إذا عدنا للتراث العربى القديم نجد أن هذه المشكلة تم تجاوزها فى عصور بغداد العباسيين بسرعة حيث انتهى الاختلاف بين العربى كعرقى نقى والشعوبى كعرق مهجن لصالح الإنسان الجديد! وعودة الهوية والتباسها للسطح هو أحسن تعبير عن مشكلتنا الفلسفية العميقة وهو مؤشر يقينى على تخبطنا الفكرى وسذاجتنا المستمرة.

هل تعتقد أن بلد المليون شاعر قادرة على تقديم العديد من الروائيين خلال الفترة المقبلة؟ والمنافسة فى جوائز الرواية العربية؟


بكل تأكيد، فكتابة الرواية ليست تكنولوجيا نووية معقدة، بل أعتقد أن بمقدور الروائيين الموريتانيين الوصول للعالمية بسهولة أكثر من غيرهم بسبب وجودهم على تقاطع الطرق بين عوالم وحضارات مختلفة.

وبرأيك هل يشكل التاريخ الموريتانى مادة خصبة لراغبى كتابة الرواية فى بلدكم؟


طبعا فلتاريخنا تضاريس فريدة ونادرة، وقد حفظت لنا هذه الصحراء الكثير من الحكايات الممتعة وجعلتنا "حكواتيين" أكثر من غيرنا ولعل هذا ما جعل الكثير من كتاب فرنسا يسقطون فى غرام جغرافيا الجمال الزهيد لبلادنا، ليس أولهم الفقيد أنطوان دو سانت اكزوبيرى الذى كتب تحت زوابع صحرائنا روائعة الخالدة وطبعًا لن يكون آخرهم غوستاف لوكليزيو الحاصل على نوبل الآداب لسنة 2010 الذى عشق هذه الأرض وارتبط بأهلها أكثر من غيره.

لمعلوماتك..


محمد ولد أمين كاتب وروائى موريتانى، حائز على ماجستير فى العلوم السياسية والحقوق من جامعة لوفان ببلجيكا وشهادة التخصص العالى فى الإعلام من معهد ايبال ببروكسل، وزير سابق للاتصال والعلاقة مع البرلمان ثم أصبح وزيرا مستشارا فى رئاسة الدولة، يعتبر خبيرا دوليا فى قضايا الأمن الإقليمى، يزوال مهنة المحاماة فى موريتانيا.

غلاف الرواية- 2015-03 - اليوم السابع

غلاف الرواية





موضوعات متعلقة..


"منينة بلانشيه".. تاريخ الاضطهاد والاحتلال الفرنسى لموريتانيا








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة