محمد أبو حامد

تجديد الخطاب الدينى «36» ماهية النفس البشرية

الأربعاء، 04 مارس 2015 10:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذكرنا فى المقال السابق أن الله سيغير ما بالقوم، المجتمع، البلد، حتما إن هم غيّروا ما بأنفسهم، وأن هذه سنَّة من سنن الله فى الكون التى لا تتغير، قال تعالى فى سورة فاطر آية 43: «فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا»، وبالتالى فإن الأمر الذى يجب أن نوليه اهتمامنا عند التفكر فى الإصلاح هو واجب التغيير الذى يخصنا كقوم وكمجتمع، وهذا التغيير الذى ينبغى أن نقوم به يتعلق بما بالأنفس، فالله عز وجل أثبت للإنسان هذه الصفة الفريدة وهى إمكانية أن يغير الناس ما بهذه النفوس، قال تعالى فى سورة الشمس آية 7: 10 «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»، فالله ألهم النفس البشرية فجورها وتقواها، ولكن الإنسان هو الذى يزكى فيفلح، ويدسى أى يفسد فيخيب، فالله جعل للإنسان سلطاناً على تغيير ما بالنفس، وهذا هو مجال الجهد الإنسانى، فالجهد المجدى للبشر فى محاولتهم الإصلاح وتغيير المجتمع من الشر إلى الخير أو بالعكس منطلقهُ الأنفس، وتحمل مسؤولية ذلك هو الأمانة التى جاء ذكرها بقوله تعالى فى سورة الأحزاب آية 72: «إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا»، وقد وصف النبى العمل على إصلاح وتغيير النفس بالجهاد الأكبر، حيث قال بعد عودة المسلمين من إحدى المعارك: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: «جهاد النفس»، وقال صلى الله عليه وسلم فى حديث آخر: «المجاهد من جاهد نفسه فى سبيل الله»، وهذه المجاهدة هى المقصودة فى قوله تعالى من سورة العنكبوت آية 69: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ».
وفى الواقع إن الذى جهل هذه الحقيقة ووضع فى نفسه فكرة غامضة أو مخالفة لها، لا شك أنه يحل به التواكل والكسل والعجز، وهذا ما كان يستعيذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل صباح ومساء فى دعائه: «اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل» مما يجعل الإنسان حذرًا من أن تحدث لديه أفكار خرافية أو جاهلية تنتج الكسل والخمول، وبالتالى فهذه الرابطة بين ما بالدولة سياسياً واجتماعيا واقتصاديا وصحيا وغيره وبين ما بأنفس أبناء الشعب من أفكار ومعتقدات وأخلاق وغيرها رابطة ينبغى أن نستحضرها دائماً عند مناقشة قضية الإصلاح والتغير، وقبل أن نبدأ فى ذكر بعض قواعد إصلاح النفس نبدأ بمناقشة ما هى نفس الإنسان؟
إن مادة (ن ف س) فى معاجم وقواميس اللغة العربية وردت مدعمة بما تعرفه العرب عنها، فجاء فى مختار الصحاح: النَّفْسُ الروح يقال خرجت نفسه، والنَّفْسُ الدم يقال سالت نفسه، وفى الحديث ما ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه، والنَّفْسُ الجسد ويقولون ثلاثة أَنْفُسٍ فيذكرونه لأنهم يريدون به الإنسان ونَفْسُ الشىء عينه، وفى الحديث ما من نفس منفوسة إلا وقد كُتِب مكانها من الجنة والنار، وفى لسان العرب: يعرف النفس بأنها الروح ويضيف أنها أيضا الدم، ومجمل المعاجم اللغوية العربية تورد هذه المادة ومشتقاتها مثل نفس ونفيس ونافس ونفساء ومنفوس مدعمة بأسانيدها ولا تختلف إلا فى مسألة هل النفس هى الروح أم لا وهل هى مادة لذاتها أم غير ذلك؟ وقد ورد عن الإمام الغزالى أنه قال فى شرح ماهية النفس: (الروح يطلق لمعنيين، أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسمانى، وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى جميع أجزاء البدن وجريانه فى البدن وفيضان أنوار الحياة والحس منه على أعضائه، يضاهى فيضان النور من السراج الذى يدار فى زوايا البيت فإنه لا ينتهى إلى جزء من البيت إلا ويستنير به، فالحياه مثالها النور الحاصل فى الحيطان والروح مثاله السراج، وسريان الروح وحركته فى الباطن مثال حركة السراج فى زوايا البيت يتحرك بحركته، والأطباء إذا أطلقوا الروح أرادوا هذا، وهو بخار لطيف نضجته حرارة القلب)، ويهمنا من خلال هذا العرض توضيح مقدار الاختلاف ونوعه بين فلاسفة وعلماء المسلمين فى مسألة النفس، وحتى فى علم النفس ذاته وقع هذا الاختلاف فى تحديد ماهية النفس فبعض العلماء عرفها بأنها: ذلك النشاط الذى يميز الكائن الحى ويسيطر على حركاته، وفسرها البعض: بأنها القوة الخفية التى يحيا بها الإنسان، وعرفها فريق بأنها: وظيفة العقل والجهاز العصبى أو محرك أوجه نشاط الإنسان المعرفية والانفعالية والسلوكية والعقلية، والحقيقة أن لكل مدرسة فى علم النفس تعريفا، فالسلوكية تقول: إن العلم معرفة مادية فلا نستطيع أن ندرس النفس فهى تدرس النشاط الخارجى، أما التحليل النفسى: فيفرض وجود مناطق وتقسيمات افتراضية كاللاوعى.
إن لفظة إنسان من ناحية لفظية هى: كلمة ثنائية الوزن وذلك يتضح من وجود الألف والنون فى نهاية الكلمة، فهى على وزن فعلان، وبالتالى تكون كلمة إنسان مثنى من مفردة هى إنس ومفردة أخرى هى إنس أيضًا، الأمر الذى يعنى لنا أن هناك مركبا من نفس وجسد، وهما مركبان ماديان مرتبطان، وفى جدال وحوار بينهما دائم، ولكل منهما خصائصه ويحتكمان إلى العقل، وإذا انفصم الارتباط بينهما يحدث انفصام الشخصية ويعطى بالتالى شخصيتين متباينتين فى التصرفات، وإن الشرح السابق للإمام الغزالى هو محاولة توضيح ما لا يمكن شرحه ولا فهمه بما يمكن شرحه ووصفه، مع علمه بأن الروح مسألة غيبية بحتة، قال تعالى فى سورة الإسراء آية 85: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً»، وطبقاً لشرح الإمام الغزالى فإننا نستطيع أن نقول: (النفس البشرية عبارة عن كيان أثيرى مادى كهرو مغناطيسى موجود بجلد الإنسان وفق نمط معين له امتداد بأعضاء الجسم الداخلية، وله تمركز وسط الصدر عند عظمة القص Sternum وعظم القص هو عظم مسطح موجود فى منتصف الصدر على الأمام عند الإنسان، ويتصل بالأضلاع السبعة العليا بواسطة الغضاريف الضلعية ويكون مع الأضلاع والفقرات الصدرية القفص الصدرى الذى يحمى القلب والرئتين، ويؤثر ويتأثر بكل ماديات الكون المحيطة به بواسطة مجاله الأثيرى)، وقد أثبت العلم ما يسمى بالمغناطيسية البشرية التى أشار إليها الطبيب النمساوى فرانز أنطون ميسمر.
هذا وتحدد النصوص القرآنية طريقتين لتسوية الأنفس، إحداهما ما يرد فى قوله تعالى من سورة الحجر آية 28: 29 «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّى خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ»، والثانية الواردة فى قوله من سورة الشمس آية 7: 8/ «وَ نَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»، فقد بيّن سبحانه الاختلاف بين نفس آدم آبى البشر التى سواها بيده وتحت ظروف تختلف عن ظروف تسوية أنفس أبنائه، الذين نسبت تسوية أنفسهم إلى من تم التساؤل عنه بالحرف (ما) الذى يستعمل فى اللغة العربية كأداة استفهام عن غير العاقل أى أن النص يستفهم عن شئ غير عاقل وسبحانه تعالى علواً كبيراً عن هذه الصفة، وعلى هذا الأساس تكون النفس مخيرة فى تكوينها، أى يكون على النفس الفاجرة فجورها وللنفس التقية تقواها، الأمر الذى يلزم بالثواب والعقاب بقدر اختلاف الأنفس.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة