(افتح قلبك مع د. هبة يس).. اقهر القهرى

الأربعاء، 06 مايو 2015 01:00 م
(افتح قلبك مع د. هبة يس).. اقهر القهرى الدكتورة هبة يس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أرسلت (ى) إلى افتح قلبك تقول:


أنا شابة فى الخامسة والثلاثين من عمرى، لم أتزوج، ولم أعمل، ولم أفعل أى شىء ذي قيمة فى حياتى حتى الآن، والسبب أننى أعانى من (الوسواس القهرى) منذ حوالى 15 عامًا.

طبعًا لجأت إلى أكثر من طبيب، وكلهم كانوا يعطوننى نفس العلاج تقريبًا، فالحالة واضحة، والتشخيص معروف، والعلاج محفوظ، لكننى كنت أتخلص من الوسواس لأدخل فى حالة مستمرة من الخمول والنوم والاكتئاب، لذلك كنت أتوقف عن العلاج بعد فترة، وأعيد الكرة مرة أخرى، حتى مللت من نفسى ومن حياتى.

أنا أعيش مع والدى ووالدتى فى بيت عائلة، يسكن معنا أعمامى وعماتى وأولادهم، ومن تزوج من إخوتى أيضًا وزوجاتهم وأولادهم.. أى أننى موجودة وسط مجتمع، وحولى كثيرون، لكنى وبالرغم من ذلك دائمًا بمفردى، وأنا التى اختارت ذلك، فلا ذنب لهم حتى أصيبهم بالاكتئاب والحزن مثلى، فأنا معظم الوقت صامتة تمامًا، لا أتكلم ولا أسمع ما يقولون، ولا أبدى أى تعبيرات أو تجاوب معهم.

أقضى يومى بين النوم والصلاة والحمام.. وآه من معاناة الحمام تلك، فأنا وبدون مبالغة أقضى نصف يومى أتوضأ أو أستحم أو أغسل ملابسى.. أعرف أن تصرفاتى غير منطقية، لكن هذا ما يحدث، ولا حيلة لى فى ذلك، فأنا فاقدة تمامًا للسيطرة على هذا الأمر.

قد تردين على بأنه إذا لم ينجح الأطباء على مدار 15 عامًا فى علاجى، فهل ستستطيعين انتي؟... لا أعرف، ولكنى أرسلت لك لأنى شعرت من ردودك على القراء أنك قريبة من قلبي، وأنه قد تكون فى كلماتك بعض العون لى، وإن لم تردى فسأفهم، فأنا أعرف أن حالتى ميئوس منها، وقد لا تريدين تضييع وقتك معي.

و إليك أقول:


من قال لك إن حالتك ميئوس منها؟، ومن أوحى لك أنها ليس لها حل؟.. الوسواس القهرى مرض صعب بكل تأكيد، وصعوبته فى أنه (مزمن) إلى حد كبير، لكن هناك فرق بين مرض مزمن، وبين مرض لا علاج له.. فرق كبير.

الوسواس القهرى مثله مثل أنواع كثيرة من الأمراض النفسية، ينقسم علاجه إلى شقين: الأول هو الشق الدوائى، والثانى وهو الأهم هو الشق (المعرفى)، الذى يتم فيه تعليم المريض كيفية تعديل أفكاره وسلوكه، سواء بالجلسات المباشرة، أو بقراءة كتب معينة، أو حتى بمشاهدة فيديوهات خاصة، ومشكلتنا الكبرى هنا فى مصر أننا لا نهتم إطلاقًا بهذا الشق، والذى هو الأقوى والأطول تأثيرًا على حالة المريض، فمعظم الأطباء النفسيين ليس لديهم الوقت أو الطاقة لسماع مرضاهم، والسماح لهم بإخراج مكنونات صدورهم.
لهذا فحالتك قابلة جدًا للعلاج، والتحسن فيها شبه أكيد، لكن كل ما تحتاجيه هو أن تجدى من يساعدك (معرفيًا)، فيوضح لك كيف تغيرين من طريقة تعاملك مع مرضك ومع حالتك، ودعينا نحاول هنا، ونلقى الضوء سويًا على أهم النقاط التى يجب أن تأخذى بها:

الوسواس هو مرض يعانى فيه الشخص من (التكرار) الخارج عن السيطرة لأفكار معينة، والتى ينتج عنها تكرار لا نهائى لسلوكيات معينة أيضًا، والحل بمنتهى البساطة هو (قطع) استرسال هذه الأفكار، فتخف حدتها، ويتوقف تكرار السلوك التابع لها، لكن مشكلة المريض أنه يكون غير قادر على فعل هذا بنفسه، فهو يشعر بأنه (مقهور) ومجبر على هذا التكرار، وأنه ليس لديه القدرة على إيقافه عند حده، لهذا الحل أن يستعين المريض بعوامل خارجية تقوم بوقف هذا التكرار رغمًا عنها، فمن المؤكد أنه إذا كانت هناك فكرة ما تلح على ذهنك بقوة، ثم جاء شخص ما ليكلمك أو يتعامل معك، ستتوقف هذه الفكرة ولو مؤقتا لوجود عارض قطعها، وهذا هو المطلوب، أن نوجد هذه العوارض الخارجية بكثرة فى البداية، حتى يقوى المريض مع الوقت، ويصبح لديه القدرة على صنع هذه العوارض بنفسه.

و لكى نحصل على هذا، أطلب منك 3 أشياء فقط، لكن عدينى أن تحاولى تنفيذها والانتظام عليها بجدية، وهى:
1) كثرة الدعاء واللجوء إلى الله، ومن المؤكد أنك فعلتى وتفعلين، لكن ما يهمنى فى الأمر هو الانتظام فى ذلك، ولتكن لك أوقات ودعوات ثابتة كل يوم، بعد الصلوات الخمس مثلاً، أو ما بين الأذان والإقامة، أو قبل النوم.. فالوسواس جزء كبير منه آتٍ أساسًا من الشيطان، الذى سماه الله فى كتابه الكريم (الوسواس الخناس)، ولا عجب فى ذلك فالشيطان كل هدفه فى الحياة هو جلب الحزن والتعاسة للخلق (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئًا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) 10 المجادلة، ليبتعدوا عن ربهم، ويلتهوا فى أنفسهم وأحوالهم، فيتمكن هو منهم أكثر وأكثر، ويحكم سيطرته عليهم إلى الأبد.. لهذا استعيذى بالله منه، والجأى إلى الله بقوة ليقويكى فى مواجهته، ويخلصك منه.

2) عدم التواجد بمفردك كثيرًا، فكيف ستقاومين هذه الأفكار وأنت تاركة نفسك فريسة سهلة لها طوال الوقت، لا تكلمين أحدًا ولا تسمعين لأحد، فقط أنت وهى ليل نهار... شىء طبيعى جدا أن تتمكن منك، وأن تأخذ راحتها وترتع فى عقلك كيف تشاء، قللى من هذا الوضع قدر استطاعتك، وأنت لديك فرصة ذهبية لتنفيذ ذلك بوجودك فى بيت عائلة، فمن المؤكد أن فرصتك لرؤية الناس أكبر بكثير من فرصة غيرك ممن يعيشون بعيدًا عن عائلاتهم وأقاربهم، وليكن لك لقاء بهم مرتين أو ثلاثة أسبوعيًا على الأقل، زوريهم، اخرجى معهم، كلى معهم، ساعديهم فى شئونهم.. افعلى أى شىء يجعلك معهم أطول فترة ممكنة، وستشعرى بفرق رهيب وبمنتهى السرعة.

3) ليكن لك هدف فى حياتك.. من أى نوع، تعلمى شيئًا ما، مارسى هواية ما، اعملى ولو فى عمل يدوى بسيط لا يحتاج إلى إمكانيات خاصة، انضمى إلى عمل تطوعي، افعلى أى شىء يجعل لحياتك معنى، أى شىء تصحين كل يوم من أجله، وتنامين وأنت تفكرين فيه، فالأهداف ليست فقط للوصول إلى المكانة أو المادة، وإنما هى أساس حتى يعيش الإنسان راضيًا عن نفسه، مستشعرًا بأن له دور يقوم به، و فائدة وقيمة عند نفسه وعند من حوله.. أما الحياة هكذا بدون أى هدف قاتلة، لأى شخص، فما بالك لشخص يعانى أصلاً من علة نفسية.

صدقينى بمجرد أن تحددى لنفسك شيئًا ما تهتمين به، وتفكرين فيه، وتسعين إلى تحقيقه ستتغير حياتك تمامًا، سيتقلص وقت فراغك، وبالتالى سيقل جدًا الوقت الذى تكونين فيه مستسلمة للأفكار الوسواسية عديمة القيمة تلك.

فالإنسان تماما كالوعاء، إما أن نملؤه بشىء نافع، وإلا سيمتلئ هو بنفسه بأشياء ضارة كثيرة، فحتى الإناء الذى ترين أنه فارغ أمام عيناك هو ليس بفارغ، وإنما يملؤه الهواء.. هكذا نحن، إن لم نملأ عقولنا بما نريد ونختار، تمتلئ هى من تلقاء نفسها بما لا نريد ولا نحب.. تمتلئ بالهواء.

حددى فترة معينة -ولتكن أسبوع أو عشرة أيام مثلا- تفكرين فيها فى شىء تحبين فعله، وتجدين فى نفسك الرغبة فى ممارسته، وابدئى فى تنفيذه فورًا، ولا تحتارى كثيرًا وتسمحى للتردد بتعطيلك، فلا تفاضلى بين الأشياء طويلاً اختارى أى شىء وابدئى فيه، وأنا أؤكد لك أنك ستهدئين وترتاحين كثيرًا بشكل تلقائى، لأنه أصبح هناك ما يشغل تفكيرك، ويزاحم هذه الأفكار السخيفة فى عقلك، ومع الوقت سيصبح هذا الشىء قادرًا على طردها تمامًا من دماغك، الذى سيكون له اهتماماته وأهدافه من الآن فصاعدًا.

وأخيرًا أكثر ما أريد التأكيد لك عليه هو أن حالتك قابلة جدًا للعلاج، وأن التغيير ممكن، وأن هناك من سبقوكى وعانوا من الوسواس وغيره من الأمراض النفسية، وتمكنوا من التخلص منها، ليس هذا وفقط، بل وأصبحوا يساعدون غيرهم على العلاج والتحسن أيضا.. ثقى بالله، وكونى على يقين من ذلك.

الصفحة الرسمية للدكتورة هبه يس على فيس بوك: Dr. Heba Yassin








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة