دعوة لإعمال العقل.. "واضربوهم عليها لعشر" الحديث المنسوب للرسول بالضرب على الصلاة غير صحيح.. البخاري عن أحد رواته: "لم يصح حديثه" والذهبي:"ضعفوه" والعقيلي:مضطرب الحفظ.. والنبى لم يمارس عنفا على أبنائه

الثلاثاء، 12 يوليو 2016 05:57 م
دعوة لإعمال العقل.. "واضربوهم عليها لعشر" الحديث المنسوب للرسول بالضرب على الصلاة غير صحيح.. البخاري عن أحد رواته: "لم يصح حديثه" والذهبي:"ضعفوه" والعقيلي:مضطرب الحفظ.. والنبى لم يمارس عنفا على أبنائه ممارسة العنف على الأطفال - أرشيفية
تحليل يكتبه مدحت صفوت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مدحت صفوت


• أغلب رواة الحديث لا يحتج بهم وضعيفو الحفظ وأصاب أحدهم الخرف


• الحديث روي عن طريق أربعة من أصحاب النبي بخمسة عشر طريقة لم تخل من الطعن


• ابن حنبل يقول عن ليث بن أبي سليم أحد رواة الحديث: لا يفرح بحديثه.. ويتهمه ابن حبان: يأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم


• الدول المتقدمة تجرم تعنيف الأطفال فى المنازل أو المدارس



يحكي الصديق «وأنا بالسعودية كنت في رابعة ابتدائي وقت الظهر كل المدرسة تصلي في المسجد، وكنت ألبس تيشرت عليه صورة أسد، كان الناظر يجبرني أن أرتديه مقلوبا قبل الصلاة، عشان حرام.. ولما قلت له: ده قطن والإنسان اللي عمله كان يقولي: "اجفل خشمك قسم بالله تنطج لين يجي بوك، انجلع العمي بوجهك".. ومن ساعتها وأنا مابصليش».

تعيد هذه القصة إلى ذهني قضية تربوية، وهي ضرب الآباء لأبنائهم كنوع من التربية، ويلجأ الآباء الأصوليون إلى الضرب كسُنّة نبوية، استنادًا إلى الحديث الشهير "واضربوهم عليها لعشر"!

هل الضرب أداة تربوية فعلًا؟ تذهب الدراسات النفسية الحديثة إلى تجريم "الضرب" وتبيان آثاره النفسية قبل البدنية على انتاج "مواطن مشوه وغير سوي"، ويعتمد العالم المتقدم نبذ العنف التربوي نهائيًا، ففي الدانمرك والسويد والنرويج وغيرها يهدد الأب أو الأم بالحبس أو بالحرمان من الطفل حال استخدام العنف. السؤال كيف ينصح الرسول بضرب الأطفال؟ وكم منا كره الصلاة والمصليين بسبب الضرب؟ وكم من المواد الدراسية كرهتنا فيها عصا مدرس أحمق؟

• إذن كيف سنربي أبناءنا؟


ثمة وسائل تربوية حديثة وكثيرة، يمكن للآباء والأمهات تلقي دروسًا فيها، لكن حتمًا الضرب ليس وسيلة ناجحة، وإنما تأتي بنتائج عكسية.


• ماذا عن الحديث؟


الإشكالية هنا متعلقة بمدى صحة قول الرسول، صحيح أن النبي جاء في بيئة شرقية تعتمد الضرب وسيلة تربية وتأديب وتعود، لكنه السياق ذاته الذي يرى أن "الحر تكفيه الإشارة"، ولأنه مجتمع طبقي وقائم على العبودية يقر العصا للعبيد الذين لا دية لهم، ضمن المنظور الاجتماعي نفسه. واعتقادنا في أهمية النبي وتباين شخصيته وطرق ممارسته لحياته تجعلنا نعيد التفكير في كثير مما ينسب إليه.

• حديث "واضربوهم عليها لعشر" مشهور ومتداول


بالبداية، سنتفق أن الأمر ليس بالشهرة ولا بالانتشار، وإنما أغلب الأحاديث "الشهيرة" ضعيفة أو موضوعة. ولم يعرف عن النبي طوال حياته قبل البعثة أو بعدها أنه لجأ إلى ضرب أبنائه وبناته مطلقًا، كذلك لم يلجأ إلى ضرب أحفاده، على العكس من ذلك، تشهد السيرة النبوية تعاملًا لطيفًا للغاية من النبي تجاه أحفاده.

• ما قصة حديث واضربوهم عليها لعشر؟


هذا الحديث روي بصيغ عديدة وكثيرة ومن خلال رواة مختلفين، أشهر هذه الروايات عن "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر"، ودرجته في أحسن الأحوال "حسن لكن بشرط ثبوت الإسناد عن عمرو بن شعيب"، أي ليس حسنًا مطلقًا لكن بشرط ثبوت الإسناد!! وهي درجة لا ترقى بحديث للتشريع لمسألة حيوية كتربية الأبناء، وسينسف إسناد الأصوليين حين نستعرض ما من شأنه تضعيف الحديث تمامًا.

تشير كتب الحديث والسُّنة إلى رواية "واضربوهم" عن طريق أربعة من أصحاب النبي بخمسة عشر طريقة، الأولى رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو بن العاص" ونقلت عنه بتسعة طرق، والثانية رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده "سبرة بن معبد الجهني"، ونقلت عنه بأربعة طرق، والثالثة رواية محمد بن الحسن بن عطية العوفي عن محمد بن عبد الرحمن وصلًا عن أبي هريرة، والرابعة رواية أنس بن مالك ونقلها داود بن المحير.

نبدأ من الرواية الرابعة، وهي لم تصح ولم تثبت، فداود بن المحير "متروك لا يحتج به"، وروايته للحديث "ضعيفة"، وقال عنه ابن حجر "متروك وقد خالف في هذا الحديث سندًا ومتنًا".

كذلك الرواية الثالثة، فمحمد بن الحسن بن عطية العوفي "ضعيف"، وقال عنه البخاري "لم يصح حديثه"، وأورد شمس الدين الذهبي "ضعفوه"، وفي موضع آخر من كتاب "الكاشف": "لينوه". ويصفه أبو جعفر العقيلي بـ"مضطرب الحفظ" وانتهي آخرون إلى أنه "يخطئ".

أما الرواية الثالثة، رواية عبد الملك بن الربيع، فقال عنه ابن حبان "منكر الحديث جدًا"!! وسئل يحيى بن معين عن أحاديث عبد الملك فقال: ضعاف. وقال ابن القطان الفاسي: لم تثبت عدالته.

نأتي إلى الرواية الأولى، عن عمرو بن شعيب، وهي أكثر الروايات شهرة وتداولًا ، ونقل عنه سوار بن داود، بتسعة طرق عن طريق عبد الله بن بكر السهمي، ووكيع «الذي ذكر الرواي باسم داود بن سوار»، وإسماعيل بن علية، والنضر بن شميل، ومحمد عبد الرحمن الطفاوي، وقرة بن حبيب، ومغيرة بن موسى، والمنهال بن بحر، وليث بن أبي سليم. والأخير لنا معه وقفة.


• إذن التسعة السابقون نقلوا عن "سوار"، فمن سوار هذا وما درجته؟


هو بن داود المزني، مختلف عليه، فالعقيلي يصفه بـ"لين" وحديثه "ليس يُروى عن وجهٍ يثبت"، وقال عنه ابن حبان: يُخطئ، وذكره في المجروحين، ويراه يحيى بن معين: ليس بشيء. ويصفه أبو بكر البيهقي بـ"ليس بالقوي"، ويضيف الذهبي في "مختصر تلخيص المستدرك": ضعيف. ويعتبره ابن حجر: صدوق له أوهام.

أما ليث بن أبي سليم، أحد ناقلي الحديث، فقد "ضُعف"، ومع الضعف الذي يقره أعلب باحثو الحديث، فإن ابن عدي الجرجاني في "الكامل في ضعفاء الرجال" قال عن ليث "له أحاديث صالحة". وبالبحث نجد أن ابن حنبل في "العلل ومعرفة الرجل" يقول إن "ثوير بن أبي فاختة، وليث بي أبي سليم، ويزيد بن أبي زياد: ما أقرب بعضهم لبعض".

وثوير هذا يقول عنه الثوري: ركن من أركان الكذب، أما يزيد فسيء الحفظ؛ أي أن ليث مساو لشخص كذاب ولآخر سيء الحفظ! وقال البخاري: كان ابن حنبل يقول "ليث لا يفرح بحديثه" ورآه يحيى بن معين "منكر الحديث"، ويروي الحافظ بن حجر عن ليث: "اختلط جدًا ولم يتميز حديثه فتُرك"، وقد اختلط ليث اختلاطًا شديدًا وصل حدّ الخرف، فيسرد ابن حبان: "اختلط في آخر عمره، وكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم".

جماع القول هنا، وبعد تفنيد الأسانيد التي لم تخلُ من الطعن، فمن وجهة نظرنا يصعب تمامًا أن يحتج بقول "واضربوهم عليها لعشر".

- تعدد الصياغات يشكك في صحة المتن


بالنسبة للصياغة تتعدد الروايات والتراكيب اللغوية، ما بين "إذا بلغ أولادكم، وإذا بلغ الغلام، ومروا أولادكم، وعموا الصبي، ومروا الصبي، ومروا الصبيان، علموا صبيانكم"، وهي صيغ روايات يحاول علماء الحديث من خلالها تمرير النص، ولنفترض صحة السند، فمن الطبيعي أن يكون الرسول ذكر الحديث مرة أو مرتين على الأكثر، فمن أين جاءت الصيغ السبع السابقة؟ هذه الصيغ تنفي تمامًا نقل الحديث بلفظه، وتشير إلى تعرض الأحاديث إلى ما تتعرض له المرويات الشفاهية من إحلال وإزاحة.


• ماذا تعني عبارة الإحلال والإزاحة؟


تتعرض المرويات الشفاهية كالموروث الشعبي إلى عدد من التأثيرات، نظرًا لوسيلة النقل الشفاهية، أبرزها عملية الإحلال والإزاحة، ومفادها أن تحل كلمة محل أخرى، أو أن تزيح عبارةٌ عبارةً أخرى، وذلك لاعتقاد الرواي بتطابق المعاني. الأمر الذي يفسر تباين كلمة أو عبارة في مثل أو أغنية شعبية بين منطقة وأخرى، ولم تكن الأحاديث النبوية ببعيدة عن تأثيرات كتلك.

ولغويًا، لا تتطابق دلالة كلمات أولاد وصبيان وغلام، ويطل لكل مفردة دلالتها الخاصة، كذلك تتمايز دلالة "مروا" عن "علموا"، فالأمر لا يتساوى بالتعليم. وبما أن الرواية أصابها الإحلال والإزاحة، وحال ثبوت السند الذي لم يثبت، ما الذي يمنع من تعرض شق الحدث للإزاحة من اضربوهم بديلة عن "دربوهم" بخاصة أن المسلمين الآواءل عُرف عنهم تدريب الصغار على الصلاة وترغيبهم فيها. الأمر قطعًا يحتاج لجهد أكبر.


موضوعات متعلقة..


- فتاوى تحريم بناء الكنائس والمعابد "خرافة".. الإمام أبو حنيفة أجاز بناءها.. والليث المصرى يجرم الاعتداء عليها: عدوان على مساجد يرفع فيها اسم الله.. والإفتاء: لا يوجد أى نص يمنع تشييدها أو ترميمها








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة