حنان يوسف

الثقافة والإعلام.. أصدقاء آم أعداء ؟!

الثلاثاء، 21 مايو 2024 11:03 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

العلاقة الجدلية المشتبكة بين أثنين من أهم أقطاب التنوير وهما الإعلام والثقافة كانت وستظل مثار إهتمام المعنيين بتجديد وتنوير العقل المصري والعربي ،  ويمكن القول ان إعلام بدون ثقافة هو إعلام فارغ يجعجع ولا يقدم طحينا ،  وثقافة بدون إعلام  تظل في  برج عاجي بعيدا عن المنال  وتحقيق الأهداف المرجوة منها .

ففي توصيف العلاقة بين الإعلام والثقافة، لم يعد ممكناً اليوم الحديث عن أي معادلة ثقافية من دون أن يكون الإعلام حاضراً بقوة في تفاصيل هذه العلاقة المتداخلة إلى حد كبير، لا سيما وقد أصبح الإعلام ذا ثقل وتأثير كبيرين في الترويج لأي معادلة ثقافية، بل - كما يؤكد البعض- في إنجاز أي مشروع ثقافي محتمل.
ففي ظل ثورة التكنولوجيا والاتصالات الحديثة، أصبح الإعلام يشكل الأداة الأقوى في التغيير، وفي بناء الديمقراطية، وكما تأثرت الثقافة والإعلام في سياق ما أصبح يعرف اليوم بالعولمة بكثير من التحديات التي غيرت المفاهيم، فقد طرحت أسئلة ملحة على غرار مفهوم الثقافة الوطنية والثقافة الكونية، وغيرها من تجليات الوعي الجديد الذي انزاحت أمامه كل المشروعات والمقترحات الركيكة التي كانت في السابق تخضع أي عملية تغيير فقط لحساب المفهوم الإيديولوجي، لمصلحة ما بات يعزز من إيجابية التداخل بين الثقافة والإعلام بوصفهما محركين أصيلين لأي عملية تنمية حضارية من شأنها أن تتيح حرية التفكير وحيوية الاشتغال، من دون إلغاء المقومات الرئيسية لكل القيم الجمالية التي ترافقت مع التاريخ البشري للإنسان.
هي علاقة شائكة بل متوترة ومختلة في أحيان كثيرة، وعلاقة تأزر في أحيان اخري ، ونحن أحوج ما نكون إلى ملامسة هذا التآزر بين (الثقافة والإعلام) على وجه الخصوص، وذلك لكي نثبت ذهنية هويتنا لأجيالنا المتسارعة في النمو ، فنحن شعوب لها تاريخ، لا تقف عند حد هوامشه المتعثرة، ولكنها تصنع تاريخاً موازياً لا مغايراً، هو تاريخ يكمل مسيرة التنمية الفكرية بأبعادها الثقافية الفلسفية والمنهجية، والمؤسسة الداعمة والراعية.
فالعالم كله يتحرك مع الإعلام، والإعلام هو الذي يوجه الرأي العام نحو القضايا المختلفة، ومن هنا تأتي عملية التزاوج بين الإعلام بمختلف أشكالها مع الثقافة ، بحيث تجمع النقد وتسويق الأنشطة أو المثقفين على حد سواء، فالمثقف الذي لا تروج له وسائل الإعلام يندثر سريعاً ويصبح نكرة، ولا يعرفه إلا المحيطون به، وكذلك الحال بالنسبة إلى الفعاليات الثقافية، فلا يبرز منها إلا ما يبرزه الإعلام، فالمؤسسات الثقافية التي يهملها الإعلام يهملها المجتمع بشكل تلقائي .
أن النشاط الثقافي أو الفني الذي يخلو من التغطيات الإعلامية، ووجود الإعلام، هو نشاط يدور في دائرة مغلقة، كما أن العنصر الإعلامي بات جزءاً لا يتجزأ من مراحل المعالجة الثقافية في المجتمع، فالأخير لا يتطور ولا يطور إلا بالإعلام، وكلما تنوع وجودها ازدادت الثقافة قوة، ونمت نمواً طبيعياً، وتفاعلت مع غيرها بما يضمن لنا مجتمعاً صحياً.
الثقافة عموماً والأدب على وجه الخصوص باتا اليوم يحتلان ذيل القائمة بالنسبة إلى المشهد الإعلامي العربي، وهذا الأمر ليس عربياً فقط بل في مختلف الدول والمجتمعات، فالترفيه والمتعة دائماً ما يتصدران المشهد، ولسنا هنا ضد هذا النزوع البشري الذي يعلي من شأن المطرب أو لاعب كرة القدم أو غيره من أصحاب المهن، على شأن الأديب والمفكر والشاعر، لكننا نطمح إلى التقدير المجتمعي والاهتمام الإعلامي المنصف الذي يقل منسوبه بطبيعة الحال عند العرب ويرتفع عند الغرب.
فالعلاقة بين الثقافة والإعلام هي تنمو بالتكاملية والتبادلية، إذ لا ثقافة بلا إعلام ولا إعلام بلا ثقافة، فالثقافة تغذي الإعلام والإعلام وسيلة لإيصال الثقافة .
لكننا إذا ما نظرنا إلى الثقافة بمفهومها الشامل لحياة البشر، وإلى الإعلام بمختلف تصنيفاته، نجد أن هناك مفارقات وتباينات بين ما تهدف إليه كل جهة على حدة، فالإعلام هو المصدر الأساسي لتغذية المجتمع بمختلف النتاجات الثقافية والإبداعية، كما أن وظيفته الأبرز هي التثقيف ونشر الوعي، لكنه اليوم انحرف عن مساره، وتنكر لوظيفته الأساسية، باستثناء القليل، الذي ظل يعمل لمصلحة المجتمع.
كما أن الثقافة بالمعنى العام لها، وبما يخص تعاطيها مع الأفراد والمجتمع، لا تخلو هي الأخرى من السلبيات، التي تشوه صورة الإنسان الحضارية في هذا المجتمع أو ذاك، وهو الأمر الذي أسهم إلى حد ما، في تخلي الإعلام عن وظيفته تجاه الثقافة الحقيقية، أن الثقافة والإعلام بحاجة اليوم إلى غربلة ثقافية وفكرية، تفرز الغث من السمين وتؤكد حضور الأفضل، لكي تتصحح مسارات الأدوار الحقيقية لكل منهما، ويؤديا دورهما التكاملي والتبادلي على أكمل وجه .
أن أحداً لا يستطيع أن ينفي أن آلة الإعلام ووسائلها وتقنياتها الحديثة تمثل ثقافة مستقلة بحد ذاتها، إنها إنتاج ثقافي يتطور مع تطور المعرفة من أجل الوصول إلى كيفية أرقى وأجمل في التواصل والتعاون ،
فالعلاقة جدلية دائمة بين قطبي الثقافة والإعلام اللذين لا ينفصلان عن بعضهما .
ولكن إذا دققنا في هذا الصراع الدائر نجد أنه يرتبط بمفهوم يتمحور، حول علاقة الثقافة بالإعلام، وحول طبيعة السؤال المطروح حولهما, فهل نطرح السؤال بالشكل التالي: ماذا تفعل وسائل الإعلام والاتصال بالثقافة؟ أم ماذا تفعل الثقافة في وسائل الإعلام؟
هذا التيار يَطرح الارتباط بين وسائل الاتصال الإعلامية منها وغير الإعلامية والثقافة عادة بطريقة إشكالية منفصلة، وكأنّ كلّ واحد منهما بمواجهة الآخر ومنفصل عنه، في حين أن مراجعة التاريخ، تظهر أن اكتشاف وسائل الاتصال أحدثت هزات ثقافية، وبناء عليه فإن جدلية العلاقة بينهما قديمة قِدمَ التحوّلات التي شهدتها وسائل الاتصال.
فالعلاقة بين الثقافة والإعلام علاقة متحركة، والفصل بينهما ولو شكليًّا يُعد خطأ منهجي بنيوي ويعيق عملية فهم تلك الحركة المتبادلة الدائرة بينهما.فالإعلام كما العادات كما التقاليد كما الدين كسائر مفردات التركيبة الانتربولوجيّة للمجتمعات تتقاطع مع بعضها البعض، ولا يمكن فهم واحدة منها بمعزل عن الأخرى. وعندما يحصل تنافر بين ثقافة الشاشة والثقافة المحلية أو الشعبية، فإننا نكون أمام انفصام ثقافي، وليس أمام حرب بين الثقافة والإعلام.
فعملية الفصل بين الثقافة والاتّصال هي عملية واهمة فوسائل الاتّصال والإعلام تنخرط في جملة القيم التي تُنْتجُها الثقافة والانفصام الثقافي ممكن ان يحصل بين أي مكونيْن، ذو مضامين متناقضة من مكونات ثقافة واحدة.
وهناك اشكالية اخري وهي علاقة المثقف النخبوي بالإعلام وضرورة انخراطه بها، حيث يظهر الآن التباين الصارخ بين منتج المثقف النخبوي الفكري والمنتج الإعلامي، فالإعلامي اليوم يمارس دورا نخبويا مارسه قبله المثقف في عصر الصحافة المكتوبة.
وتطل علينا الفضائيات العربية يوميّا بنقاشات وحوارات تعالج ما تسميه بالقضايا السياسية والفكرية والثقافية وغيرها، توصَف بالسَّاخنة، وغير الساخنة، وأصبح لهذه البرامج رموز ونجوم بحيث أصبح البرنا مج مرتبط بمقدمه وتَعدّتْ مهمتهم من التقديم الى تقييم المواقف وإطلاق الأحكام، فأصبح الإعلامي يتدخل في كل شاردة وواردة، لذلك وقعت معظم البرامج  في التكرار والمشابهة في لحظتنا الثقافية.
وهذا ما يجعلنا نعيد التساؤل ولمرات متكررة حول ضرورة تأهيل البرامج الثقافية لتكون فاعلة، واعتقد أن إنقاذ الثقافي من أزمته والإعلامي من تكراره سيكون هو الأساس في إنقاذ السياسي من ارتباكه الإيديولوجي، وبالتالي تهيئة العوامل الموضوعية للحديث عن تنمية ثقافية فاعلة.
ولعل إعادة النظر في طبيعة علاقة المثقفين بوسائل الإعلام من الأهمية بمكان ليس من حيث كونهم يُصنّفُونَ افتراضيا ضمن جمهورها، بل باعتبارهم مدعوين الى تعزيز فرق الإنتاج والتجديد والابتكار داخل مؤسسات الإعلام التي تخوض حاليا حرب البقاء وكسب معركة المنافسة التي يفترضها الإعلام المُعَوْلَم.
أن العلاقة بينهما متداخلة متلاصقة فكلاهما يبث بالآخر ويمتزج بنسيجه إلا أن التطور الذى طالهما تبعاً لتطور الحياة أدى بالضرورة إلى التباين والخصوصية فى وسائل كل منهما.
والخلاصة إن أي تباين أو اختلاف أو تداخل أو ترابط بين مفهوم الثقافة ومفهوم الإعلام يبقى فى ذات النوع والدرجة وليس فى الهدف والغاية على اعتبار أن كلاهما بالمفهوم السليم والصحيح يرمى إلى ذات الغاية والهدف وهو توعية الإنسان وتنويره وهو ما تسعي اليه الدولة المصرية بكل جهودها في إطار بناء الجمهورية الجديدة .










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة