أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

فإنها لا تعمى الأبصار!

الجمعة، 24 نوفمبر 2017 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمنيت كثيرًا أن أعرف انطباع أحد الإرهابيين عقب تنفيذهم عملياتهم الإجرامية القذرة هنا وهناك، وشعوره عند رؤيته الأشلاء المتناثرة للرجال والنساء والأطفال، هل استمتع بتلك المشاهد التى تشيب لهولها الولدان؟! وهل تناول طعامه ونام قرير العين بشكل طبيعى فى اليوم الذى ارتكب فيه جريمته؟! وهل وقف لحظة مع نفسه متسائلًا عما إذا كان ما فعله صوابًا يرضى الله ورسوله أو خطأ يسخطهما ويستوجب لعنتهما ؟! وهل سيعيد الكرَّة مرة أخرى أو أنه سيتوقف ويراجع نفسه ويسأل الثقات من أهل العلم وليس الذين عاهدهم على السمع والطاعة العمياء قبل أن يواصل رحلة الدم ؟! لكن هذه الأمنية كان يتعذر تحققها على الرغم من كثرة الفواجع، لأن هؤلاء المجرمين كانوا بعد تنفيذ جرائمهم إما صرعى غير مأسوف عليهم برصاصات حماة الوطن الأبطال من الجيش والشرطة، وإما فى جحور وكهوف كالجرذان بعد أن تمكنوا من الفرار أحياء. 
 
ولذا، حرصت على عدم تفويت الفرصة التى لاحت بإعلان ظل يطل علينا عبر شاشة إحدى الفضائيات يعلن عن عودة أحد الإعلاميين ومعه صيد سمين أجنبى الجنسية وقع حيًّا فى أيدى رجالنا البواسل خلال عملية الثأر لزملائهم الذين استشهدوا فى الواحات، وهو ما يعنى الوقوف على أمرين: الأول: تحقق ما كنت أتمنى الوقوف عليه من معرفة انطباع أحد المجرمين بعد ارتكاب جريمته، والثاني: تأكيد ما رددته كثيرًا من أن هؤلاء الذين نغصوا حياتنا وعكروا صفونا من بينهم - ما لم يكن غالبهم - مَن لا ينتمى إلى تراب مصرنا الحبيبة.
 
وعلى الرغم من الملل الذى يشعر به المشاهد فى أثناء مشاهدة هذا النوع من الحوارات فى مثل تلك الحالات نتيجة المقدمات الفلسفية الطويلة، وكثرة الفواصل الإعلانية التى لا يمكن أن تفوت فرصة ثمينة كتلك الفرصة التى تتعلق فيها أعين الملايين بالشاشة فى حدث حصرى كهذا؛ لكننى قاومت النوم بعد يوم طويل شاق لأتابع أكبر قدر من اللقاء، وقد أفزعنى وهالنى ما وجدته من هذا المجرم؛ حيث لا ندم ولا تردد ولا أسف على ضحاياه، بل رأيت شخصًا متبلد المشاعر مغيب العقل قاسى القلب جاهلًا جهلًا مطبقًا حتى إنه لم يمتعض وجهه ولم ينتفض مصححًا الخطأ الذى وقع فيه محاوره فى نطقه للآيات، وكل ما يعرفه هذا الإرهابى أنه بايع أحد الأشخاص الذين استبدلوا بميادين الشرف والخير ميادين العار والشر لينتهى إلى جهنم وبئس المصير، حيث تحول مع السمع والطاعة العمياء لمشايخه الذين يؤتمر بأمرهم إلى آلة فى شكل إنسان ينتظر الأوامر لينفذها، دون أن يسأل نفسه أين تعلم هذا الذى تحول إلى شيخ أمير يأمر فيُطاع؟! ومتى تأهل هذا الشيخ الأمير ليحكم على الناس بالكفر؟! وما مصادره التى استدل بها على حل قتلهم؟!
 
وتذكرت وأنا أسمع هذا الإرهابى الجاهل وهو يردد مصطلح (دفع الصائل) الذى حفَّظوه إياه بعد تحريف معناه، ذاك الأعرابى الذى سأله آخر عن معنى العدل، فأجاب بأن العدل هو أن أغير على جارى لآخذ غنمه ! فقال له السائل : فما الظلم ؟ قال أن يغير على جارى ليسترد غنمه ! فقد ردد هذا الجاهل مصطلح (الصائل) الذى يعنى شرعًا المعتدى على غيره لسرقة ماله أو انتهاك عرضه أو سفك دمه، فيرى هذا الجاهل أنه جاء إلى مصر بلد الأزهر الشريف ليطبق شرع الله ويجاهد رجال الجيش والشرطة من باب دفع الصائل، معتقدًا أنه ومَن معه مِن الإرهابيين إذا ما ماتوا فهم شهداء فى سبيل الله ! أليس هذا هو عين منطق الأعرابى الذى عرف العدل بمفهوم الظلم والظلم بمفهوم العدل؟!
 
إن السائل أيها الجاهل هو المعتدى على غيره بغير حق، وهو ما ينطبق على أمثالك ممن دخل أرض غيره متسللًا ليدبر ويخطط لقتل الآمنين تحت راية استعادة الخلافة بزعم أنه نظام الحكم الأوحد الذى لا بديل عنه فى الإسلام، وبذريعة تطبيق شرع الله، وكأن عينه عميت عن أداء الناس فى البلد الذى يستهدفه وفى غيره من بلدان المسلمين لأركان الإسلام من شهادة وصلاة وصيام وزكاة، ألا يرى هذا الجاهل قوافل الحج والعمرة التى تنطلق من بلادنا، وما يصعب حصره من المآذن الشاهقة فى كل مكان؟! أليس هذا دليلًا على الإسلام؟! ألا يعد ملايين المصلين الذين تضيق بهم المساجد مسلمين فى نظر هؤلاء؟! كيف لهؤلاء المجرمين أن يحصروا الشريعة فى بعض الحدود كقطع يد السارق وجلد الزانى أو رجمه وغيرها من العقوبات التى لا تمثل عند العارفين من أهل العلم أكثر من نسبة 2.5 فى المائة من جملة أحكام الشريعة، فضلًا عن أنه فى ظل الشريعة أيضًا يمكن الإفلات من تلك العقوبات فى كثير من الأحيان وهو ما يعرف عند العلماء بدرء الحد بالشبهة، بل إنه يمكن لتلك الحدود أن تعطل فى ظروف معينة كما حدث فى عام الرمادة من تعطيل حد السرقة لوجود شبهة الضرورة أو الحاجة، دون أن يعنى ذلك التفريط فى ثوابت الدين ولا إنكار ما شرعه الله عز وجل؟!
 
أتمنى أن يكون أكبر عدد من الشباب قد تابع حوار هذا الإرهابى واستمع إلى إجاباته ليدرك الشباب مدى ضحالة فكر هؤلاء المتطرفين، وأنهم مجرد أدوات هدم وتدمير ولا يحملون أى خير لهم ولا لغيرهم، ولا يستندون على علم صحيح، ولا يأخذون عن عالم ثقة يعتد بعلمه، وإنما يتسترون بالدين لتحقيق مآربهم الخاصة، والدين من أفعالهم براء؛ فقد كذب هذا المجرم حين زعم أنه مجاهد، بل هو إرهابى محارب لله ورسوله مفسد فى الأرض، وقد كذب حين زعم أنه ومَن على شاكلته يسعون لاستعادة الخلافة التى يدرك العقلاء أنها لا تصلح لزماننا وإن ناسبت زمانًا غيره، فضلًا عن أنه يصعب أن لم يكن يستحيل إقامتها فى ظل الوضع الدولى القائم، وقد كذب حين زعم أنه وأمثاله يسعون لتطبيق شرع الله، بل إنهم يخدعون الشباب لجذبهم إلى صفوفهم من أجل تقوية شوكتهم فى سبيل تحقيق أهدافهم الخبيثة، ولو كان هذا المجرم صادقًا فى ما يزعم، فينبغى عليه أن يطالب مَن يحقق معه بصلبه أو قتله جراء ما ارتكب من جرائم، فهذا هو شرع الله الذى يدعى أنه يحتكم إليه فى أمثاله.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة