كمال حبيب

إسلاميو تركيا.. الإنجاز والتوافق

السبت، 10 نوفمبر 2012 04:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تركيا ظلت تحكم العالم لقرون عديدة عبر الخلافة العثمانية، وحين نتأمل المناطق التى حكمها العثمانيون سوف نجد أنها مناطق كانت عامرة بالأقليات المسيحية الأرثوذكسية المخالفة لدين الدولة العثمانية، ولكن عبقرية الدولة وعبقرية حكامها الذين ورثوا تقاليد الإمبراطورية الرومانية فى الحكم جعلتهم يحكمون هذه الأقليات بالعدل وبالحفاظ على التقاليد والعادات المرعية، لدرجة أنه لما سألوا راعى الكنيسة الأرثوذكسية لماذا تقبل بحكم المسلم الذى يرتدى العمامة ولا تقبل بحكم الكاثوليكى الذى يرتدى القبعة قال لأن المسلم سيسمح لى أن أبنى كنيستى إلى جوار مسجده، بينما الكاثوليكى سيعمل على هدم كنيستى المقامة، هذه ما قاله المستشرق «توماس أرنولد» فى كتابه المهم «الدعوة إلى الإسلام».

ورثت الحركة الإسلامية فى تركيا تقاليد ومواريث لحكم الدول وكيفية إدارتها عبر ما يطلقون عليه «العقل التركى الكبير»، الذى تتسع طاقته فى الصبر والقدرة على التوفيق والتسامح مع المخالفين، فضلا على الموافقين.. السياسة كانت جزءا رئيسيا فى ثقافة الإسلاميين فى تركيا، وعلينا أن نتذكر أن الفقه الحنفى كان هو مذهب الدولة، وفقه الأحناف يتسع للمساواة ويأخذ فى اعتباره الأعراف والتقاليد والعادات، كما يعمل القياس والعقل والاجتهاد فى إدارة أمور الدولة والبلاد والعباد.

الدولة هناك، كما يقول علماؤها، تسبق الدين بخطوة، فالتركى لا يمكنه أن يعيش بلا دولة، والصراع السياسى حين يدور على أرضية الدولة فإنه يكون حول كيفية إدارة الدولة وكيفية نهضتها والسؤال حول انهيارها وسقوطها، وكيفية تحقيق الشرعية حول بناء التوافق بين كل القوى السياسية والاجتماعية، وهكذا.

كان السلطان عنوانا ورمزا للشرعية لكل من يعيشون فى داخل الدولة بما فى ذلك الأقليات ذاتها، الدولة كانت مظلة يستظل بها الجميع، وهى التى تقوم بإدارة السياسة وبناء التوافق حولها، مسألة بناء التوافق تتيح فكرة التسامح تجاه المخالفين باعتبار الجميع أبناء وطن واحد.

ظل الإسلاميون جزءا من الحياة السياسية فى تركيا حتى فى أكثر فترات الأصولية العلمانية التى مثلها نظام «أتاتورك»، عبر المشاركة فى الأحزاب حتى داخل حزب الشعب نفسه، ولما جاءت التعددية فى نهاية الستينيات أسسوا أحزابهم المستقلة مثل النظام والسلامة والرفاه والفضيلة، أسس تلك الأحزاب «نجم الدين أربكان» الذى كان قد تأثر بالإخوان المسلمين وحاول أن يطرح ما أطلق عليه خبرة أكثف من قدرة الأتراك على تحملها، من هنا كان انفصال «رجب طيب أردوغان» و«عبدالله جول» و«بولينت إرينج»، وتأسيسهم لحزب العدالة والتنمية -يسمونه الآق بارتى - الذى استطاع أن يحقق اكتساحا فى أول انتخابات تجرى بعد تأسيسه عام 2002 ويكنس كل الأحزاب العلمانية التى كانت على الساحة، واستطاع أن يحقق إنجازه الأكبر فى المجال الاقتصادى والاجتماعى، فهو يضع خططه للعام 2050 وجعل من تركيا الاقتصاد السادس فى أوروبا، والاقتصاد الخامس عشر على مستوى العالم، كما استطاع الحزب أن يعبر عن آمال الأتراك جميعا، فهو لا يعبر عن تنظيم أو جماعة وإنما يعبر عن كل الأتراك.

الإخوان المسلمون والسلفيون لا يزالون بعد فى مصر غير قادرين على تحقيق إنجاز اقتصادى - اجتماعى، كما أنهم غير قادرين على بناء خبرة لمصر تعبر عن المزاج المصرى القائم على التعايش والتسامح وبناء التوافق، على الإسلاميين فى مصر الكف عن وضع أنفسهم فى مواجهة مجتمعاتهم من خلال الخروج لمليونيات، وأن يركزوا أكثر فى برامج تحرر الإنسان المصرى من الفقر والجهل والمرض.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

hessen

مقال

عشرة على عشرة

عدد الردود 0

بواسطة:

د.صلاح العزب

روعة التحليل وصدق البحث

عدد الردود 0

بواسطة:

عبدالرحمن العضيب

تحليل رائع ولكن؟!

عدد الردود 0

بواسطة:

عبدالرحمن العضيب

تحليل رائع ولكن؟!

عدد الردود 0

بواسطة:

أيمن

عذراً

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة