كمال حبيب

فقدان الوجهة.. سؤال الحاكمية

السبت، 03 نوفمبر 2012 01:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خطاب الظواهرى الأخير الذى دعا فيه الشعب المصرى إلى الثورة على مرسى من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية هو خطاب يفتقد للوجهة والبوصلة، الأصوليون والدعاة قالوا: إنه يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، ويسوقون فى ذلك حديث البخارى «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة وجعلتها على قواعد إسماعيل»، وفى البخارى أيضا «حدثوا الناس بما يعرفون.. أتحبون أن يكذب الله ورسوله»، وفى موضع من البخارى آخر فى كتاب العلم قول لعلى بن أبى طالب «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تدركه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»، فى هذا السياق فإن المقاصد هى التى تحكم المجتمعات، وهى التى تديرها وليس النصوص الجزئية منفصلة عن الواقع الذى يتحقق مناطها فيه، وإلا فإن ابن تيمية كما يحكى عنه تلميذه حينما رأى بعض جنود التتار وقد انهمكوا فى شرب الخمر وذهب من ينكر عليهم قال له «دعهم فإنهم إن أفاقوا من خمرهم ذهبوا يقتلون الناس».

من هنا كانت مصنفات العلماء الفطاحل فى استنباط قواعد الشريعة الكبرى الحاكمة على أدلتها الجزئية من قبيل: الضرر يزال، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وتحمل المفسدة الأدنى لفوات الأعظم منها، وتحصيل المصلحة الأعلى وإن فات ما هو دونها، واعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته أن الترجيح بين المفاسد والمصالح هو عين الفقه وخبرة الفقيه والمفتى والقاضى، وصنف الشاطبى كتابه المهم «الموافقات» وفيه نبه إلى أهمية مقاصد الشريعة التى اعتبرها موجودة فى كل ملة وأمة، وهى الضرورات الخمس التى تعتمد على حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، أى أن ترتيب هذه المقاصد أعلى من القواعد التى سبقتها، وقد أضاف إلى مقاصد الشريعة الطاهر بن عاشور «مقصد الحرية».

الشريعة وتحكيمها تعنى فى الواقع ثلاث مستويات الأول إيمانى عقدى، وفيه يتفق الظواهرى مع مرسى مع كل المسلمين فى مصر والعالم الإسلامى، وفيه تساق الآيات التى تعلمناها صغارا، وهى قوله تعالى: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»، وغيرها من الآيات التى تقول إن الحكم والحاكمية تعنى الرد إلى الله والرسول «وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله»، هذا المستوى عقدى إيمانى.. المستوى الثانى هو اجتهادى مؤسسى يقوم حول التساؤل كيف يمكن أن تتحقق حاكمية الله فى الأرض، وهذا هو موضع الاختلاف بين مرسى والظواهرى، وبين المدرسة التى يمثلها كلاهما، وطالما أن المسألة هنا اجتهادية فإن الخلاف الحاد حولها لدرجة الدعوة للثورة من أجلها هو تعبير عن غياب الوجهة، ولذا فإن الداعين لتطبيق الشريعة وتحقيق الحاكمية فى واقع الناس مطالبون أولا بطرح الإجابة على التساؤل كيف؟
المستوى الثالث هو اجتهادى، ولكنه مفتوح على الواقع والعالم والعصر لأبعد مدى، وهو السؤال كيف تتحول المؤسسات إلى حركة وحياة وواقع فى حياة الناس بحيث تحقق لهم فى النهاية السعادة والرفاهية والتقدم، فالشريعة قائمة على مراعاة مصالح الناس وعاداتهم وتحقيق ما يصلحهم لتحقيق الاستخلاف وتأسيس العمران.. مشكلة العقل الإسلامى الحديث أنه يبسط المشاكل المعقدة ويعتبرها هينة وسهلة ويدخل بغشم الغر الذى لم ينضج فيكون كالمنبت لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى، هناك أزمة يواجهها الظواهرى وأزمة يواجهها العقل القاعدى، وهى عدم الإدراك أن الشعوب لم تعد تنتظر تعليمات التنظيمات لتتحرك، ولكنها تتحرك حين تقرر هى وليس أحد غيرها.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

امير القاضي

احسنت

احسنت مقال رائع جداا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة