كمال حبيب

النفسية الخوارجية

السبت، 11 فبراير 2012 10:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أخبرنا النبى، صلى الله عليه وسلم، عن الخوارج قائلا: «إنهم حدثاء الأسنان- صغار السن-، سفهاء الأحلام- أى لا ينظرون إلا تحت مواطئ أقدامهم، لا يملكون الرؤية الكاملة أو الرؤية الكلية- يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم» - أى أن نفوسهم وعقولهم لم تتشرب عمق القرآن الكريم أو مقاصده أو التدبر فيه أوالفهم، أى أنهم التقاطيون يسرعون إلى الدليل العام أو المطلق فيصدرون به حكما عاما دون معرفة ما يقيده أو يخصصه، كما أنهم يسرعون إلى الدليل الجزئى فيعممون حكمه، أى أن قضية المنهج غائبة فى تعاطيهم مع النصوص الشرعية.

وفى كتاب الزكاة فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قسم ذهيبة على أربعة من الذين يأتلفهم «المؤلفة قلوبهم»، فقال رجل من أصحابه كنا أحق بهذا من هؤلاء، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنونى وأنا أمين من فى السماء يأتينى خبر السماء صباحا ومساءً، فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار فقال: يارسول الله اتق الله. هنا تجد الجرأة المجاوزة للحد الذى يبلغ سوء الأدب فى مواجهة أمين الوحى صلى الله عليه وسلم.

ربما يكون الوصف الفيزيقى للشخص الخوارجى المقصود منها أنه مبالغ فى العبادة لحديثه صلى الله عليه وسلم «تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم»، فهنا إفراط فى العبادة وتفريط فى المعاملة بتجاوز حق النبى صلى الله عليه وسلم فى الاحترام حين مخاطبته، والتقديم بين يديه باندفاع وسوء أدب لا يجوز مع أمين السماء والأرض - بأبى هو وأمى.

ستظهر فرقة الخوارج فى مواجهة الخليفة الرابع على بن أبى طالب- رضى الله عنه- ويذهب بها الغلو والشطط أن تكفره لأنه قبل تحكيم الرجال، واستندوا فى ذلك إلى دليل عام هو قول الله تعالى «إن الحكم إلا لله» فلا حكم إلا لله، وحاجهم ابن عباس ببيان أن هناك تحكيما للرجال كما فى قوله تعالى «فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما» وفى قوله تعالى «يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة».

وقد ظهرت فرقة الخوارج فى مصر فى مطلع السبعينيات فيما عرف باسم «التكفير والهجرة»، وكانت تتبنى نفس الطريقة والمنهج فى التعامل مع المجتمع، وامتلكت هذه الجماعة جرأة القول بأنهم وحدهم هم المسلمون فى العالم، وأن جميع المسلمين هم كفار، وأن الشريعة لم يتم تطبيقها منذ الخلافة الراشدة، وأن إمامهم «شكرى مصطفى»، هو القائم مقام النبى صلى الله عليه وسلم بالقيام فى الحجة من جديد على الناس وتبع تلك الجماعة فئات من الشباب الصغير فى السن وقليل العلم، وحاد اللسان، وجرؤ فى إطلاق الأحكام، وأسست تلك الجماعة لمصطلحات جديدة مثل التوقف والتبين والولاء والبراء فى مواجهة مجتمعات المسلمين، وسرعان ما خبت وتوارت، وانتهت بعد الضجة التى أحدثتها فى مصر والعالم.

نفسية الخوارج أقرب لنفسية الجماعات الفوضوية فى الفكر الغربى، فهم ضد الدولة والمجتمع، وضد العلماء والمؤسسات التى حافظت على استمرار الإسلام حيا فى نفوس المسلمين، ولا يزال هؤلاء موجودين حتى اليوم، يواجهون من يختلف معهم بالتكفير والخيانة ويعتبرون أنفسهم هم وحدهم معيار الحق، إنهم يخلطون بين الاختلاف فى العقيدة والاختلاف فى الشريعة والاختلاف فى السياسة، إنهم يفتقدون المنهج.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

د/أحمد محمد على

صدقت والله

عدد الردود 0

بواسطة:

Mido2011

مقالة رائعة

عدد الردود 0

بواسطة:

ahmed mohamed

علم وإستنباط

عدد الردود 0

بواسطة:

مصطفي عبد الحكيم

من تقصد؟

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة