كمال حبيب

القيم والأخلاق والسياسة

الإثنين، 30 نوفمبر 2015 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
السياسة بدون قيم أو أخلاق تتحول إلى فعل دنيوى يعبر عن انتصار الأقوى وهزيمة الضعيف، ما معنى أن تكون السياسة التى هى إدارة شؤون البشر تعبيرًا عن مصالح طبقة هى التى تملك بينما لا يجد من يملكون من يعبر عنهم ويدير شؤونهم.

هذا تعبير عن رؤية داروينية تجعل الحياة صعبة وبلا معنى، ومن هنا كان لابد من حس أخلاقى ينحاز للضعيف وللفقير ولمن لا يملك حتى لا يحوز من يملك على كل شىء، ففى السياسة النفس أمارة بالسوء تسعى للسيطرة، وتسعى للحصول على أسباب القوة والسلطة التى هى موضوع السياسة هى أحد أهم أدواتها.

الدين فى أى مجتمع هو المصدر الرئيسى للأخلاق، فتعاليم الدين هى التى تدعو للعدل «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، وتعاليم الدين هى تدعو للإنفاق على الضعيف والفقير والمسكين، وتعاليم الدين هى التى تدعو للأمل بغد أفضل حين تتقارب الفجوات بين الطبقات، ومن هنا كانت الزكاة مثلا فى الإسلام، والصدقات والتبرعات للمحتاجين.

كتاب الأمير لميكافيللى هو من أسس السياسة باعتبارها عملا لا يعرف الأخلاق وإنما يعبر فقط عن «الغاية تبرر الوسيلة»، وكانت هناك مدارس تتحدث فعلا عن التحرر من القيم FREE-VALUE، بيد أن التحرر من القيم فى عالم السياسة تحول الإنسان إلى وحش، وتحول الدنيا إلى غابة.

كانت السياسة فى مرحلة تعبيرا عن الإرادة الإلهية فى فترة العصور الوسطى، ومن ثم نظر إلى الحاكم باعتباره ظل الله فى الأرض، بمعنى أنه قدر إلهى لا نعارض إرادته وكأنها إرادة الله، بيد أنه من توسع قطاعات المهتمين بالشأن العام تحولت السياسة من اهتمام وفعل قطاعات نخبوية إلى الجماهير الواسعة وهو ما عرف بعصر الديمقراطية.

السياسة تتحرك فى سياق ومحيط مجتمع يحمل روحا ذات حس أخلاقى تطبع شخصيته، بالإضافة للدين هناك الحس الأخلاقى لمن يصنع السياسة والتى تحدد انحيازاته وطريقة حكمه وأدائه، فلا فعل سياسى بدون تحيزات، والتحيزات تعنى بالضرورة فعلا أخلاقيا، فسياسات النظم تجاه الفقراء بانحيازها لهم تعنى فعلا أخلاقيا نحو المستضعفين، وتحقيق العون والسند لهم حتى لا يشعروا بالاغتراب فى مجتمعهم.

والحس الداروينى المتعجرف الذى يؤمن بالقوة والسيطرة هو فعل يعبر عن انحياز أخلاقى يعبر عن تمجيد الهيمنة والقوة، ومن ثم فإن الضعفاء لا يستحقون أن نقف إلى جوارهم لأنهم هم المسؤولون عن ضعفهم ولو كانوا يمتلكون المقومات لاستطاعوا أن يكونوا كالأقوياء، ومن ثم فهم لا يستحقون سوى مزيد من الضعف والاحتقار.

مع التوسع فى اهتمام الجماهير بالسياسة، وظهور الديمقراطيات وتحول الحكام إلى بشر عاديين وليسوا آلهة ولا أنصاف آلهة وإنما أصبحوا هم خدام الشعوب، وممثلى سلطة التنفيذ لإسعاد البشر وإعطاء معنى للحياة الكريمة لكل مواطنيهم، وهم مراقبون من ممثلى الشعب، لم يعد هناك احتكار للسلطة وإنما تتوزع بين سلطة التنفيذ والقضاء والتشريع.

الأخلاق السياسية هى احترام قواعد اللعبة السياسية واحترام دستور الأمة، وجعل الشعب هو الأعلى دائما، والإنسان هو الغاية والهدف، وسلطة البرلمان قوية تراقب وتحاسب، والقضاء محقق للعدل، والأخلاق السياسية هى انحياز للفقراء والمستضعفين بشكل لا غموض فيه، لا تحتاج الأمم للجان للأخلاق والقيم وإنما تحتاج للتعبير عن قيمها وأخلاقها فى سلوك قادتها ونخبتها وفى سلوك إعلامها وإعلامييها، وفى سلوك أئمة الدين وممثليه، وفى سلوك ممثليها فى البرلمان، إنها روح تنتشر تستحضر المسؤولية وتعبر عن الحاضر بشكل معاصر يعبر عن التاريخ والأصالة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة