كمال حبيب

الشتاء يفاجئنى بلدغة

الأحد، 08 فبراير 2015 04:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا من محبى فصل الشتاء، ففيه تستطيع الإنجاز، كما أننى أحب ذلك البرد الحانى عندنا فى مصر، تستطيع أن تتعايش مع الشتاء بلا مشاكل كبيرة، وكنت كلما ظللت كامنًا ليوم أو بعض يوم فى البيت ثم أخرج لأجد الشمس وقد علت وانتشر دفئها وضوئها الجميل الهادئ، أقول ما أعظمك يا مصر، وما أجمل ما حباك الله به، وأقول ذلك تقدير العزيز العليم، فالفقراء فى مصر أكبر أداة حماية لهم الطبيعة السمحة لمصر وبيئتها ومناخها، ماذا كان سيفعل هؤلاء لو كان الشتاء قارسًا ونحتاج فى بيوتنا إلى تدفئة مركزية.

أذكر أن الراحل إبراهيم شكرى رئيس حزب العمل قال لى إن الفلاح المصرى من حسن حبه للبيئة وللتراب الأسود الجميل كان يحمل مداسه تحت إبطيه ويمشى حافيًا، كنت صحبته لحضور جنازة الشيخ الشعراوى رحمه الله فى بلده دقادوس بالدقهلية، وعجبتنى تلك الملاحظة، حبا الله مصر بنهر سبح سمح قرة عين للناظرين، وحبا الله مصر بسهل منبسط جميل فى الدلتا، ومثله فى الصعيد.

لم تكن الطبيعة تمثل تحديًا فى ذاتها للإنسان المصرى من هنا كان حبه للحياة وللشمس وللخضرة والمروج، وكانت علاقاته الاجتماعية والسياسية فى الواقع تتحدد عبر نهر النيل، لذا كان مفهوم التكافل واحترام حق الآخرين فى أن يحصلوا على حقوقهم فى الماء وأن يصبر من فى الأعلى حتى يفرغ من فى الأدنى وهكذا. كانت الطاقية والتلفيعة والبلغة المفتوحة من الخلف هى لباس الفلاح المصرى العادى، وقليل من كان لديه بالطو، ولكن معرفة الفلاح المصرى بشهور السنة القبطية كانت تجعله أكثر قدرة على التكيف مع المناخ بشكل مدهش، فكان يرتدى الصديرى التقليدى والفانلة ذات الكم الطويل وأقصى شىء الكالسون لحماية جسده من الصقيع خاصة فى شهر طوبه الذى نعيشه نحن الآن والذى أوتيت أنا من قبله. فقد لدغتنى طوبة بسم بردها مع إهمال اعتدناه نحن من لم يعد يعرف شهور بلده القبطية ولا دورات الطبيعة وضرروة احترامها أيضًا وعدم أخذها فى الحسبان إذا كانت بفضل الله بك رحيمة، أصابنى برد طوبة وقد بلغ السن مبلغًا لم يعد يحتمل إهمال الصبا وعدم الانتباه لضرورة أن تحترم الطبيعة وأن تقدر احترامها مرتين معًا مع كبر السن وتوديع أحلام الشباب، لقد هرمنا ما فى ذلك شك.

المشكلة أنه مع تلاحق الزمن والوقت لا يلتفت الإنسان لضرورة أن يعطى الأنفلونزا خطورتها فلا يلتفت لضرورة المبادرة لعلاجها ظنًا أنها ستذهب وحدها، وقد يكون ذلك ممكنا من قبل أيام الشباب، أما مع التراخى والإهمال فإن المشكلة تتحول لشىء أكبر، كما أن أنفلونزا اليوم تحورت وأصبحت أكثر وحشية وضراوة كالتنظيمات الإرهابية التى تقف بالحضارة الإنسانية اليوم فى مرمى النيران والخطر، وهو ما يجعلها وحشًا كاسرًا يرفضه العالم المتحضر كله.

كنت أقول لنفسى ماذا سأسمى هذه المعاناة التى عشتها لأسبوع كامل، وأجيبها وأنا ملفلف بالبطاطين باحثًا عن بعض ساعات نوم ولو قليلة – أسميه أسبوع الآلام، أعتبر نفسى ممن لديهم قدرة على الجلد، بيد إن لدغة الشتاء المباغتة والمفاجئة جعلتنى أستعجل رحيل الشتاء لنستمتع بفصل الربيع، يعرف الإنسان فى لحظات المرض حاجته إلى ربه وحاجته إلى أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فماذا يفعل المرضى بدون مقصد يقصدون إليه طالبين منه الشفاء، وماذا يفعل العصاة بدون مقصد يقصدونه إذا أذنبوا، حقيقة الإيمان بالله سبحانه وتعالى تتجلى بكل معانيها حين يكون الإنسان ضعيفًا محتاجًا فقيرًا لرحمة ربه، الله سبحانه وتعالى هو الحقيقة الأسمى ومحمد صلى الله عليه وسلم هو التجلى الأسمى لهذه الحقيقة، ونحن يصيبنا هذا التجلى بقدر ما نكون حقًا عابدين لله طائعين لله.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة