عادل السنهورى

القمة الروسية الأفريقية الثانية.. تحت المراقبة

الخميس، 27 يوليو 2023 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عيون عدد من العواصم العالمية الكبرى تراقب وتترقب الآن القمة الروسية الأفريقية الثانية، والتي تنعقد هذه المرة في مدينة سان بطرسبرج، ولمدة يومين، بعد 4 سنوات من القمة الأولى في مدينة سوتشي في أكتوبر 2019.

 

العيون في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وروما وبروكسل، وحتى عيون عواصم آسيوية في بكين ونيودلهي مفتوحة على فعاليات القمة غير العادية على الأراضي الروسية، في ظروف وأوضاع سياسية وأمنية استثنائية وغير عادية، مع الإصرار الروسي على انعقادها رغم التحديات التي تواجهها موسكو في الحرب مع الغرب على الأراضي الأوكرانية.

 

القمة رغم الخطابات السياسية المعلنة من الجانبين بإعلاء شأن قضايا التعاون المشترك والمصالح المتبادلة والشراكة البناءة في مجالات اجتماعية واقتصادية وإنسانية، مثل الصحة والجوع والفقر والتصحر والنزاعات المسلحة ودعم السلام والاستقرار في القارة السمراء، إلا أنها لم تنج من التفسير السياسي سواء من الغرب وواشنطن أو حتى من جانب روسيا.

 

فالعالم يعيش حاليا حالة من الاستقطاب السياسي الحاد والقوى المتحاربة في أوكرانيا، في مشهد يعيد الذاكرة الجمعية لسنوات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي السابق، وما أدى إلى انقسام العالم بين شرق، تمثله موسكو وحلف وارسو، وغرب يمثله واشنطن وحلف شمال الأطلسي. ودارت بينهما حروب وصرعات بالوكالة، وهناك ما لوح بالشعار السياسي القديم: "اذا لم تكن معي فأنت ضدي"، ولم يدرك أن أوضاعا كثيرة تغيرت، وجرت في نهر السياسة الدولية، وخاصة لدول "العالم الثالث" مياه أكثر.

 

فأفريقيا تغيرت وباتت أكثر إدراكا لطبيعة علاقاتها الخارجية مع باقي القوى السياسية والاقتصادية الكبرى في واشنطن وأوروبا والهند والصين وروسيا، ووضعت إطارا وخطوطا واضحة لملامح سياستها الخارجية، وخاصة في الفترة التي تولت فيها مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي والتي ترتكز على مبادئ المصالح والتعاون المشترك، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شئونها وقرارتها الوطنية، ولذلك اعتمدت أفريقيا سياسة خارجية متنوعة وغير منحازة، تتصدر فيها مجالات التعاون في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والثقافية.

وهو ما دعا قوى كبرى تسارع إلى عقد اجتماعات قمة متكررة مع دول القارة السمراء، بلغت حوالي 6 قمم من واشنطن وباريس وبرلين وبكين ونيودلهي إلى موسكو، لتوطيد العلاقات سياسيا وتجاريا واقتصاديا واستثماريا، وتوظيف تلك العلاقات لصالح الاهتمام بقضايا أفريقيا المزمنة.

 

على جانب روسيا فقد بدأت سياستها الخارجية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتولي بوتين مقاليد الأمور في روسيا الاتحادية في بداية الألفية الجديدة، تتسم بقدر كبير من العملية والبرجماتية، فلم تعد روسيا كما قال بوتين في فترته الأولى، فروسيا ليس "جمعية تعاونية سوفييتية"، بمعنى أن ما حدث في الماضي لن يتكرر، فمن أراد أن يأخذ من روسيا عليه أن يبادلها الأخذ بالعطاء.. فالمصلحة متبادلة والمنفعة مشتركة.. وأصبحت موسكو تتفهم مواقف كثير من الدول الأفريقية التي تتقاطع مع المواقف الروسية.. وأيضا تفهم المواقف الروسية من بعض القضايا الأفريقية التي تتعارض مع مصالح ومواقف بعض الدول الأفريقية.

 

ومع ذلك لا تخلو القمة من البعد أو الفضاء السياسي لمجرد انعقادها في سان بطرسبرج، فروسيا تريد توظيف القمة وبدون إعلان كورقة سياسية في وجه واشنطن والغرب المتحالف ضدها في أزمة الحرب مع أوكرانيا تتحدى فيها إجراءات العزل السياسي البائسة ضدها وبأن أفريقيا حاضرة وبقوة على الأراضي الروسية بتمثيل سياسي ربما يكون أقوى من القمة الأولى في سوتشي بمشاركة 49 دولة وبحضور 17 رئيسا في مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس جنوب إفريقيا، سيريل راما فوزا.

إذن هناك منفعة مشتركة بين الجانبين من القمة سان بطرسبرج الثانية.. فمن جانب تعبر عن اهتمام بالغ من روسيا الاتحادية تجاه أفريقيا، كونها تمثل محاولة للخروج من العزلة التي فرضتها عليها بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. إضافة الى أنه ربما يكون هناك للرؤساء الأفارقة دور مهم في تلطيف الأجواء بالنسبة للحرب الأوكرانية ومحاولة الوصول إلى بعض الحلول.

 

وفي الجانب الآخر، حاجة أفريقيا إلى التعاون والخبرة والمساعدة الروسية، خاصة في مجال الحبوب، لأن الدول الأفريقية تعاني من مشكلة الغذاء والتي تأثرت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

 

الحرص على العلاقات مع أفريقيا لخصها الرئيس بوتين في كلمته الترحيبية قبل انعقاد القمة بيومين، حيث أكد على تاريخية الصداقة والتعاون المتراكم وتقاليد الثقة والدعم المتبادل التى تطورت بين روسيا والدول الإفريقية على مدى عقود من الزمن. والرغبة المشتركة فى هيكلة نظام علاقات يقوم على أولوية القانون الدولى ومراعاة المصالح الوطنية وضمان الأمن للجميع والاعتراف بالدور التنسيقي المركزي لمنظمة الأمم المتحدة.

 

وأيضا الشراكة البناءة القائمة على الثقة والطموح للارتقاء إلى الأفضل بين روسيا وإفريقيا فى غاية الأهمية في مجالات التعليم والبنية التحتية ونقل الخبرات وهو ما أشار اليه في كلمته أمام القمة اليوم وأيضا دعم مبادرة إعطاء الدول الإفريقية مكانة لائقة فى المنظمات التي تحدد مصير العالم، بما فى ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعة العشرين، والتي تعمل من أجل إصلاح المؤسسات المالية والتجارية العالمية التى تلبى مصالحها.

 

بوتين أوضح جدية روسيا في تنفيذ قرارات القمة الأولى بشكل فعال فقد تم إنشاء منتدى الشراكة بين روسيا وإفريقيا. وحكومية دولية ثنائية حول التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي مع العديد من الدول فى القارة السمراء، ومع الاهتمام بتوسيع شبكة السفارات والبعثات التجارية الروسية فى إفريقيا. كما يتم حالياً بشكل مكثف صياغة المزيد من الأدوات المخصصة لتحسين هيكلية العلاقات الاقتصادية ومنحها ديناميكيات أكبر.

روسيا تتفهم جيدا أهمية الإمدادات الغذائية المستمرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحفاظ على الاستقرار السياسي للدول الإفريقية، وقامت فى عام 2022 بتصدير 11.5 مليون طن من الحبوب إلى إفريقيا، وفى الأشهر الستة الأولى من هذا العام  تم تصدير ما يقرب من 10 ملايين طن أخرى. وقد جرى كل ذلك على الرغم من العقوبات المفروضة على الصادرات الروسية

مجمل الأمر وعلى الرغم من أن البعض من خبراء السياسة الدولية يعتبرون القمة الروسية الأفريقية الثانية حلقة من حلقات التنافس الدولي والإقليمي في القارة السمراء، الا أن الرؤى الاستراتيجية  للجانبين لتنمية العلاقات الروسية ــ الإفريقية وعلى وجه التحديد مجالات التعاون ذات الأولوية للعمل المشترك في العقود القادمة من القرن الحادي والعشرين باتت واضحة وراسخة على أساس علاقات عملية مبنية ترتكز المنفعة المتبادلة.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة