وائل السمرى

عفواً.. كانت هنا جدران

الأحد، 11 مارس 2012 04:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الفكرة طائر، أجنحته من حديد، مهما اجتهد المحبِطون المحبَطون على وأدها لا يستطيعون، الفكرة روح لا يقدر أحد على سجنها لأن الله خالقها وراعيها، الفكرة شباك من نور، إن أغلقته أضاء، وإن فتحته أضاء، الفكرة معجزة الله المتكررة، لا يقدر الكافرون بقدرته على استئصالها وتكذيبها، الفكرة بنت السعى، وأم التغيير، أبوالحياة.
انظر إلى لوحة الجرافيتى التى رسمها فنانو الثورة على جدران الحوائط التى وضعها المجلس العسكرى فى أحد شوارع وسط البلد لتتأكد من أن الفكرة أكبر من قاتلها، رسم الشباب على الحوائط بيوتا وطريقا وحياة، مستعينين بقواعد الظل والمنظور والبعد الثالث لتبدو المشاهد حقيقية، لوهلة تظن الحائط مفتوحاً، بل تظن أنه ليس هناك حائط من الأساس، هكذا كسر الشباب الجدران، دون جلبة أو معاول أو هدم، تحدوا الأوناش والخرسانات والكتل الصماء، بالريشة واللون والفكرة اللامعة، لتحمل هذه اللوحة الفنية الرائعة على بساطتها حكمة جيل بأكمله، لا تراجع ولا استسلام، وهى ذات الروح التى كتب بها شاب على حائط آخر حينما لاحظ أن كل كتاباتها السابقة تم مسحها «كل ما تمسح هكتب أكتر.. يسقط يسقط حكم العسكر».
هى فكرة حالمة، لكن الحالمين يعيشون أبد الدهر، ينكسرون حينا، وينتشون حينا، حياتهم هى الحياة، وما دونها ملل زعاف، ماضيهم ميراث، حاضرهم عمل، مستقبلهم ابنهم وأبوهم، يهاجرون إلى الحلم كلما ضاقت عليهم الدنيا بما وسعت، ففى الحلم متسع للجميع، كل علماء العالم وأنبيائه وعظمائه كانوا حالمين، جاليليو رأى الفضاء وسبح فيه بقلبه قبل غارغارين بمئات السنين، نبى الله إبراهيم حلم بالله قبل أن يتلقى الوحى، كان زادهم الحلم، ورسالتهم كلمة وعمل، أنكرهم إخوتهم وأقرب أقربائهم، ألقوا بإبراهيم فى النار، جاليليو دفن حيا، وسقراط أعدمه الدهماء، انظر الآن إلى هؤلاء، إلى سيرتهم العطرة، وإنجازاتهم من أجل البشرية قبل أن تسخر من الحالمين الذى ينتمى إليهم جيل الثورة، ويعتز بانتمائه إلى هؤلاء.
قبل عشرات السنين كان الشيخ إمام يغنى من أشعار أحمد فؤاد نجم «بينى وبينك سور ورا سور.. وأنا لا مارد ولا عصفور.. فى إيدى عود قوال وجسور.. وصبحت أنا فى العشق مثل»، وبعد عشرات السنين تتعدد الأسوار ليس فقط داخل السجون والمعتقلات، وإنما فى شوارع وسط البلد فما كان من فنان اليوم إلا أن يتلبس روح فنان الأمس، وفى يده «ريشة» تتحدى الصخر فى صلابتها، وتتحدى الرصاص فى قوتها، ريشة صنعت عالما، وحملت وعيا لا يقدر أحد على تغييبه، وبها أصبح الشباب مارداً وعصفوراً، ليعبر الأسوار سوراً بعد سور.
تحمل هذه الفكر برمزيتها آلاف المعانى الخالدة، فكل شىء محبط هو حائط يقف أمامك، عداء الإخوة حائط، تراكم الجهل حائط، انعدام الوطنية حائط، تجارة الزيف حائط، الطمع فى السلطة حائط، الخيانة والخسة حائط، البيروقراطية والروتين حائط، المرض والفقر حائط، تشويه الثورة والثوار حائط، الاتجار بالدين حائط، التخوين والتكفير حائط، وبهذه اللوحة البسيطة القوية الحالمة أراد الشباب أن يقولوا إنهم سيعبرون كل الحوائط التى يعيقوننا بها مهما طال الزمان وكثرت المعوقات، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة، وسننتصر.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة