وائل السمرى

الإمام الشهيد

الأحد، 27 مايو 2018 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد أصبحت نفسى تتوق إلى مصر..
ومن دونها قطع المهامة والقفر
فوالله ما أدرى أم الفوز والغنى..
أساق إليها أم أساق إلى القبر
هكذا قال الإمام الشافعى منشدا قبل أن يأتى إلى مصر وفى خمس سنوات على أقصى تقدير، هى مدة إقامة الإمام الشافعى فى مصر، لكنها كانت سنوات عامرة، فيها راجع فقهه وطوره، وفيها عرف ما لم يعرف، وفيها أصدر كل كتبه بعد تنقيحها، وفيها أصدر كتابه الشهير «أهل البغى» القائم على تفسير قوله تعالى: «فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله» منتصرا فيه للإمام على بن أبى طالب، ومعتبرا معاوية بن أبى سفيان باغيا وقتاله جهاداً فى سبيل الله، وهو ما جعل أصحاب الإمام أحمد بن حنبل يتهمونه بالتشيع، فقال لهم الإمام أحمد: «سبحان الله وهل أبتلى أحد بقتال أهل البغى قبل أمير المؤمنين على بن أبى طالب» ويبدو أن الإمام كان فى قلبه ميل لكتابة هذا الكتاب منذ أن كان باليمن، لكنه لم يجرؤ على كتابته إلا فى مصر، حينما صفت نفسه وتمكن، وفى مصر أيضا راجع كتاب «الرسالة» ونقد الإمامين «أبوحنيفة ومالك» تمهيدا لإعلانه مذهبه الجديد.
فى الخمس سنوات التى عاشها الإمام فى مصر، أنجز ما لم ينجزه فى حياته كلها، وأسس الإمام قواعد أصول الفقه وهى الكتاب والسنة المجمع عليها التى لا اختلاف فيها، والإجماع ثم القياس، وتحامل على نفسه مقصرا فى حق صحته، فقد ابتلاه الله بمرض البواسير ونصحه الأطباء بالتقليل من جلوسه للدرس وإلا فستكون فى جلساته أسباب موته، لكنه لم يكترث بحياته وصحته فى مقابل تأسيس مذهبه وتنقيح علمه، فمات معانيا مع هذا المرض، لكن ياقوت الحموى فى كتابه معجم البلدان ذكر سببا آخر لموت الإمام الشافعى يضعه فى خانة شهداء الرأى بلا جدال، فيقول: إنه كان هناك شاب من أتباع الإمام مالك اسمه فتيان «فيه حدة وطيش» وساء هذا الفتيان تأليف الإمام الشافعى كتابه الشهير «خلاف مالك» وكان يناظر الإمام وملؤه حقد وتعصب، وفى إحدى المناظرات أحرج الشافعى «فتيان» على الملأ، فازدادت حدة «فتيان» وتهوره، فشتم الإمام الشافعى شتما قبيحا، فلم يرد عليه الإمام، لكن أحد الحضور سرد للوالى تلك الواقعة، فأمر الوالى أن يضرب فتيان بالسياط، ويحمل على جمل وينادى به المنادى هذا جزاء من سب آل رسول الله، وقد كان الشافعى يلتقى فى نسبه مع الرسول الكريم، وهذا ما أثار استياء أصحاب فتيان، فتربصوا بالإمام بعد صلاة العشاء، وضربوه ضربا مبرحا ومات على أثر هذا الضرب، وعلى فراش الموت أنشد الشافعى شعرا، قائلاً:
فلما قسـى قلبـى وضاقت مذاهبى.. جعلت رجائى نحو عفوك سلما
تعـاظمـنى ذنبـى فلـما قـرنته.. بعفوك ربى كان عفوك أعظما
نشرت هذه الحلقات بشكل مطول فى رمضان 2012 تحت عنوان «فقهاء التنوير»، وأعيد نشرها احتفالًا بشهر رمضان الكريم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة