وائل السمرى

الإمام المظلوم

الإثنين، 28 مايو 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نشأ فقيرا فاغتنى بالعلم، ضعيفا فاستقوى بكتاب الله وسنة رسوله، يتيما فصار أبا لأمه وابنا، يعرفه القاصى والدانى، وينهل من علمه كل من شهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أحد حفظة أحاديث الرسول وأحد أهم فقهاء عصره حتى إن البعض أخرجه من قائمة الفقهاء ووضعوه فى قائمة المحدثين، فجهده فى جمع الحديث وتدوينه وضعه فى أعلى مراتب المدافعين عن الإسلام والمستميتين فى الذود عنه.
 
هو أحمد بن حنبل «164هـ 241هـ» الذى عاش حياته مجاهدا فى سبيل العلم، مضحيا براحته وعمره وقوته، كانت حياته كلها نضالا ضد فقر القلوب وانعدام الخشية، مات أبوه ورفضت أمه أن تتزوج لتتفرغ لتربيته، فخلدهما بذكره فى العقول والقلوب، كان رحيما صادقا متسامحا مخلصا تعرض للكثير والكثير من الظلم والاضطهاد والعنت من جانب السلطة التى ناوأته وعذبته واعتقلته، وبرغم حجم الإساءات المهول الذى تعرض إليه الإمام من خصومه، لكن للأسف لا تقارن مصيبته من خصومه بقدر ما لحق به من أتباعه الذين أساءوا فهمه مقرنين اسمه بما ليس فيه من تعصب.
 
ها هم أتباع الإمام الذى تعرض للسجن والتعذيب فى حياته بسبب رأى قاله، أو رأى رفض الاقتناع به، يذيقون كل مخالفيهم أشد أنواع البطش والتنكيل والاضطهاد والعنف، لم يسلم من عنفهم عالم ولا جاهل، غير مميزين بين من يختلف فى رأى ومن يجهر بالعداوة والبغضاء، حتى وصل الأمر إلى التنكيل بالإمام ابن جرير الطبرى مفسر القرآن، وصاحب جامع البيان الذى قال عنه إمام السلفية الأكبر ابن تيمية، إنه أفضل من فسر كتاب الله، فقد حدث أن ألف الإمام الطبرى كتابا يصنف فيه الفقهاء ويبين مراتبهم أطلق عليه اسم «اختلاف الفقهاء»، ولم يذكر فيه الإمام ابن حنبل، لأنه كان يعده محدثا وليس فقيها، وهو ما أغضب أتباع الإمام ابن حنبل، وبحسب ما أورده صاحب سير أعلام النبلاء فإن أصحاب ابن حنبل سألوا الطبرى: لماذا لم تذكر إمامنا فى كتابك؟ فقال لهم إنه كان محدثا ولم يكن بفقيه، «فاشتدّ ذلك على الحنابلة وكانوا لا يحصون كثرة فى بغداد فشغبوا عليه وقالوا ما أرادوا».
 
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ثارت ثائرتهم عليه وحاربوه ومنعوه من الخروج من بيته ورموه بالحجارة حتى جاء صاحب الشرطة ومعه ألوف من الجند ليبعد عنه العامة وهم الناس الذين أثارتهم الحنابلة وحرّضوهم عليه وقادوهم فى محاربته والكيد له، بل إنهم رموه بالكفر مرة وبالتشيع مرة وإمامهم فى ذلك أبوبكر محمد بن داود الظاهرى، ويقول الإمام ابن كثير دفاعا عن الطبرى فى هذا الشأن: «حاشاه من ذلك كله، بل كان أحد أئمة الإسلام علما وعملا بكتاب الله وسنة الله صلى الله عليه وسلم».
 
• نشرت هذه الحلقات بشكل مطول فى رمضان 2012 تحت عنوان «فقهاء التنوير»، وأعيد نشرها احتفالًا بشهر رمضان الكريم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة