وائل السمرى

الحياة داخل كادر كاريكاتير

الأحد، 19 أغسطس 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وجوه تمر، مواقف تحدث، تصاريح تقال، والصورة الذهنية لكاتب المقال تمنعنى كثيرا من الجهر بالسخرية، من التهكم على هذا أو الاستهزاء بهذا، وحينها أصرخ: يا ربى ماذا أفعل فى كل هذا الهزل؟ ماذا أكتب عن كل هذه المسخرة؟
 
يخيل لى أحيانا أننى أعيش داخل إطار من مشهد كاريكاتيرى، مشفقا على زملائى رسامى الكاريكاتير: ماذا يرسمون والواقع أصبح أكثر هزلية من خيال الذين يمتهنون الهزل؟
 
تلك التعابير لا تنتمى إلى الواقع قطعا، تلك التصريحات لا تدخل أبدا إلى حيز الحقائق، هؤلاء الناس ليسوا أكثر من شخصيات كاريكاتورية بامتياز، غير أن الأزمة هى أن الحياة اليومية تجبرنا على التعامل بكل جدية مع كل هذا العبث.
 
حتى وجوههم، أشعر كثيرا أنها لا تنتمى إلى الواقع، ذات مرة سألوا الفنان العظيم صلاح جاهين الذى كان من أفضل رسامى الكاريكاتير فى مصر، كما كان من أجمل وأنبل شعراء العامية: من وجهة نظرك من هو أفضل رسام كاريكاتير فى العالم؟ فقال جاهين: كلما أنظر إلى المرآة وأتأمل فى وجهى أشعر أن الله هو أفضل رسام كاريكاتير، وقد صدق جاهين فى هذا القول، لأن هذا الفن يعتمد على تضخيم الملامح وإبراز عيوبها وحسناتها على حد سواء، وكان جاهين، رحمه الله، ضخما فى كل شىء، صوته، ملامحه، انفعالاته، تصريحاته، فهل صار التضخيم عنوانا لحياتنا؟ وهل صرنا فعلا نعيش داخل هذا الإطار؟
 
عشرات الشخصيات، مئات التصريحات، آلاف العناوين، ملايين التصرفات، تخبرك كل يوم بأننا لا نعيش حياة عادية فى وطن عادى، ندين بالسخرية، نقدس المفارقة، نتخذ من التضخيم عقيدة حتى صار التضخيم طبعا، وصار الطبع خلقة فى ملايين المصريين، لا تعرف هل هذا السلوك الكاريكاتيرى محاولة منهم للتمرد على العالم والسخرية من أفعاله، أم أن العالم هو الذى أراد السخرية منا والتمرد على أفعالنا؟ تردد مع المتنبى: «وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا!» فتدرك أننا ربما ولدنا داخل هذا الإطار منذ زمن، لكننا لم نكن نعلم أو لم نكن ندرك، فقد رسم المتنبى صورة كاريكاتورية أيضا لمصر وشعبها، كما رسم صورة مشابهة لكافور الإخشيدى الذى سرق حكم مصر فى خلسة من الزمن قائلا:
 
وتعجبنى رجلاك فى النعل إننى رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا
مصورًا الزوائد الجلدية التى تكسو قدم كافور الأخشيدى وكأنها حذاء من قتامتها وسمكها، فماذا لو عاش المتنبى الآن، ليرى كل هذا الكم من رجال الدين المبالغين، وكل هؤلاء السياسيين المزيفين، وكل هؤلاء الفنانين المدعين، وكل هؤلاء الرياضيين النصابين، وكل هؤلاء المثقفين الخائنين، وكل هؤلاء المتناقضين الذين فشلوا فى صنع شىء حقيقيا فمالوا إلى تضخيم كل شىء، فصارت وجوههم كالأورام، وعيونهم كالظلام، وأحاديثهم كالنكات المبكيات؟!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة