سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 12 مايو 1914.. الخديو عباس الثانى يستقبل طه حسين لتهنئته بحصوله على الدكتوراه ويحذره: «إياك فى فرنسا من دراسة الفلسفة فإنها تفسد العقول والذوق»

الأحد، 12 مايو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 12 مايو 1914.. الخديو عباس الثانى يستقبل طه حسين لتهنئته بحصوله على الدكتوراه ويحذره: «إياك فى فرنسا من دراسة الفلسفة فإنها تفسد العقول والذوق» الخديو عباس الثانى و طه حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

استدعت الجامعة المصرية الدكتور طه حسين بعد أيام من حصوله على الدكتوراه، وأبلغته بأنه سيشرف بالمثول بين يدى الخديو عباس الثانى بالإسكندرية الساعة الخامسة من غد، وأن أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو ووكيل الجامعة، سيصحبه فى القطار، حسبما يذكر طه حسين فى سيرته «الأيام».


جرى اللقاء يوم 12 مايو، مثل هذا اليوم، 1914، استجابة لطلب مجلس الجامعة الذى أرسل برقية بهذا الخصوص للخديو، وفقا لسامى الكيالى فى كتابه «مع طه حسين»، ونصت البرقية: «الجامعة المصرية المشمولة برعاية الحضرة الفخيمة الخديوية عقدت البارحة لأول مرة امتحانا علنيا، تقدم إليه الطالب الشيخ طه حسين، كفيف البصر، لنوال الدكتوراه فى الآداب، وقد فاز فى هذا الامتحان فوزا باهرا، ونال فيه أعلى الدرجات، وهذه أول ثمرة من غرس ولى النعم، فمجلس إدارة الجامعة يلتمس من مكارم الجناب العالى الخديو الإذن السامى بحظوة الطالب المذكور بالمثول بين يدى سموه».


يؤكد أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو ووكيل الجامعة فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، أنه اصطحب طه من القاهرة إلى سراى رأس التين، وبصفته وكيلا للجامعة قدمه إلى الخديو، فشجعه وتمنى له النجاح، ولا يذكر تفاصيل اللقاء، لكن طه يتحدث عنه بالتفصيل فى سيرته «الأيام»، ويعترف بأنه حين تلقى الخبر أصابه وجوما معقدا حقا، كان فيه السرور والغرور، والخوف والفرق والحيرة فليس قليلا على ذلك الفتى الأزهرى الفقير الضرير أن يرقى فى هذه السرعة إلى حيث يلتقى صاحب العرش، وأين هو من صاحب العرش؟ وأين صاحب العرش؟
يكشف طه، أنه انشغل فى كيف يسافر، وهل يعقل أن يصطحبه غلامه الأسود، وهو الذى لا يحسن أن يصاحبه فى شوارع القاهرة، وفى أى هيئة سيدخل، هل فى ثيابه الرثة ومن أين له بنفقات هذه الرحلة، ولعجزه عن الإجابة عليها كاد أن يعتذر، لكنه هدأ حين أبلغه سكرتير الجامعة أن سفره فى القطار وعودته سيكون على نفقة الجامعة، وفى المساء التقى مع أحد أصدقائه، فأنبأه بسفره، رد صديقه: «سأكون رفيقك فى هذه الرحلة، وستريح غلامك».


بدأ هذا الصديق فى الإنفاق على أن يتم السداد فيما بعد، فاشترى لـ «طه» الكاكولا، زى الأزهريين، ويصف طه شعوره وقت أن قام بارتدائه لقياسه بأنه «لم يكد يدخل فيها ويجمع طرفيها على خصره بأزراره تلك حتى أحس كأن شخصه قد تغير، وكأنه قد خرج من طور من أطوار حياته، ودخل فى طور جديد».


يذكر «طه» أنه فى القطار، وفى الدرجة الأولى التى لم يعرفها قبل هذا اليوم، وجد نفسه بين صديقه وبين شفيق باشا، وفى المحطة كانت عربة فخمة تنتظر شفيق باشا، وركب الجميع، ووجد طه نفسه أمام الخديو.


يؤكد طه أن الخديو التقاه فى سماحة بريئة من التكلف، وأخذ بيده وأجلسه على أريكة إلى جانبه مهنئا له بفوزه بالدكتوراه، وسأله عما يريد أن يفعل بعد أن ظفر بدرجته، أجاب طه: «سأحاول السفر إلى فرنسا لأدرس الفلسفة أو التاريخ، رد الخديو: إياك والفلسفة، فإنها تفسد العقول، بل هى لا تفسد العقول وحدها، ولكنها تفسد الذوق أيضا، لقد ذهبت إلى باريس منذ سنين، واستقبلنى الطلاب المصريون هناك، وكانوا جميعا حاسرى الرؤوس فى أيديهم قلانسهم إلا واحدا منهم كان حاسرا رأسه كزملائه، ولكنه لم يكن يمسك قلنسوة، وإنما كان يمسك طربوشا فى يده، فلما سألت عن هذا الفتى أنبئت بأنه منصور فهمى، وبأنه يدرس الفلسفة، فعلمت أن الفلسفة قد أفسدت عليه عقله وذوقه جميعا، فصاحب الطربوش لا يرفعه عن رأسه ولا يأخذه بيده حين يلقى الخديو، وصاحب القلنسوة لا يتركها على رأسه، وإنما يأخذها بيده فى مثل هذا المقام، ولكن صاحبنا كان يدرس الفلسفة».


يذكر «طه» أن الخديو أغرق فى ضحك متواصل، بينما هو مغرق فى الوجوم، ولما سكت من الضحك قال وهو يضع يده على ركبة «طه»: «ستسافر إلى فرنسا، ولكن لا تدرس الفلسفة وعليك بالتاريخ فإنه علم عظيم»، ثم التفت إلى شفيق باشا يحدثه فى رطانة تركية لم يفهم «طه » منها قليلا ولا كثيرا، وبعد دقائق وقف الخديو فوقف «طه »، وصحبه شفيق باشا إلى خارج الغرفة، حيث كان ينتظره صديقه.


يذكر سامى الكيالى نص محضر المقابلة، وفيه أن الخديو سأل شفيق باشا عن كيفية امتحان الدكتور طه وموضوعه، وأسماء الممتحنين، والدرجات التى نالها، وأعجب سموه إعجابا خاصا، حين علم أن الدكتور طه درس الفرنسية، وأدى فى آدابها امتحانا نال فيه 28 من 30 درجة، ولما علم بعزم الجامعة على إرساله إلى أوروبا لإتمام دراسته هناك، أظهر من الرضا بذلك والسرور له.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة