كمال حبيب

غرابة الحياة وتقلباتها (2-3)

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014 05:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت من أوائل الثانوية العامة فى القسم الأدبى، كرمتنى مدرستى الثانوية الملك الكامل بالمنصورة، كان وهج كلية الاقتصاد فى خيالنا كبيرًا، حاول البعض أن يقنعنى بأن أبقى فى المنصورة وأدخل أى كلية أخرى ولكنى رفضت، كما حاول بعض أساتذتى من قبل إقناعى بألا أدخل القسم الأدبى فأنا مستقبلى فى القسم العلمى ولكنى رفضت فقد كنت أحب الفكر والأدب وأطالع ما يكتبه المفكرون والأدباء، وكنت طوال الصيف مقيمًا فى مكتبة المنصورة العتيقة الجميلة التى تطل على شاطئ النيل، وفيها قرأت تقريبًا كل ما كتب عن "نابليون بونابرت"، كما قرأت كتاب ميكافيللى "الأمير"، وقريبًا من المكتبة العتيقة يقع قصر ثقافة المنصورة الذى طالعت فيه كتب "جبران خليل جبران"، كما حاولت مطالعة البخارى فى هذا الوقت المبكر وقرأت فيه لتوفيق الحكيم وطه حسين بالطبع.

وأذكر أننى نلت شهادة تفوق فى القراءة ولا تزال موجودة بين أوراقى إلى اليوم، أحببت المنصورة ونيلها ومكتباتها حبًا ملك على نفسى ولا يزال حتى اليوم.
كنت مؤمنًا بالله إيمانًا عميقًا وكبيرًا، وتجادلت فى وقت مبكر مع زميل لى فى المدرسة الثانوية حول الوجود والإيمان حيث كان زميلنا هذا يطالع كتبًا تأتى ترويجية تأتى من الاتحاد السوفيتى حصل عليها من أخيه الماركسى الذى يسبقه فى الدراسة الجامعية بكلية الطب وحاول إقناعى بنظرية التطور لدارون مدللاً على ذلك بصور كانت موجودة فى الكتب تظهر إنسانًا فى عقبه بقايا ذيل، كنت قد حفظت القرآن وأنا صغير، كما أن مسجد عائلة حبيب بقريتى ديمشلت قد طبع صورته فى نفسى عميقًا فطالعت فيه فطرة الفلاحين ورأيت فيه بساطة الدين وحلاوته، كما كان أبى يرحمه الله يأخذنى إلى الميضه ليغسلنى أو يحممنى، كان الفلاحون ينبهون من طفل يحفظ الفاتحة ومنحه الله حافظة قوية مذهلة.

حين دخلت الجامعة ووقفت أمام كلية الاقتصاد العظيمة كانت أحلام الحياة تداعبنى، ولكنى فى النصف الثانى من العام أطلقت لحيتى، وبدأت فى الدخول للمدرجات أتكلم فى زملائى داعيًا للإسلام، أول كتاب قرأته لنعمت صدقى عن تجربتها التى جعلتها ترتدى الحجاب، كانت الجماعة الإسلامية بكلية الاقتصاد لا تزال فى أول طريقها، كانت الجماعة الدينية وتحولت للجماعة الإسلامية لتوها.

وقع فى يدى كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية وهو كتاب ضخم وصعب، كما أن فتاويه متصلة بالسياق السياسى والاجتماعى لعصره، ومن ثم هو يؤسس لموقف سياسى فى الحقيقة فى مواجهة الأخطار الخارجية التى تواجهها مصر والشام من الصليبين الفرنجة ومن التتار.
بدأت ناشطًا فعالاً لتأسيس الجماعة الإسلامية وإعطاء الدروس، وكنت عنوانًا للاستقامة حتى إن زميلاتى كنا إذا واجهنا موقفا يحتجن فيه للمساعدة كنا يلجأن لى لحله، درس لى فى الكلية العظيم حامد ربيع، درس لى فى السنة الثانية فقه أبى حنيفه السياسى ومركزية فكرة الحرية عنده، كما درس لنا نظرية القيم، وبالطبع قرأت كل كتبه فى الكلية عن الدولة العبرية، من يحكم فى تل أبيب، والنظام السياسى الإسرائيلى، وأمتى والعالم، وسأظل عربيًا، كما فتح عقلى على التراث السياسى الإسلامى بكتابه المهم "سلوك المالك فى تدبير الممالك"، ومقدمته الكبرى التى طبعتها دار الشعب، وفى نفس الوقت تعرفت على كتب الإخوان القديمة التى كانت تبدو قد استخرجت من مخابئ، فعلاً كانت الكتب قديمة، وكان من بينها طبعة قديمة لظلال القرآن لسيد قطب، وبهرنى أسلوب سيد، أعطانى هذه الكتب شاب قابلته فى تقلب الحياة، وباعنى الظلال بخمسة عشر جنيهًا، أذكر أننى أعطيته منها خمسة جنيهات وتاه منى فى دهاليز الحياة، كل ذلك ونحن نمضى فى غرابة الحياة وتقلباتها شبابًا يافعًا بلا مؤسسة واضحة تهدينا لسواء السبيل.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة