كمال حبيب

الحج.. تلك التجربة الفريدة «1-2»

الإثنين، 17 أكتوبر 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الحج استقامة على منهج الأنبياء وتأكيد على العلاقة المتينة الممتدة لمنهجهم وسيرتهم
 
رزقنى الله وزوجتى هذا العام بأداء فريضة الحج، ركن الإسلام الخامس، واستجابة لقوله تعالى «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»، فالمستطيع الذى يملك القدرة المالية والجسدية يصبح الحج فرضا عينيا عليه لا يسوغ تأجيله أو التسويف فيه.
 
علمت بعد أداء فريضة الحج، لماذا كان الناس فى الريف يحتفلون بمن يحج ويزينون جدران المنزل وحوائط البيت بالمباركة والفرحة، الحج ممارسة عملية ووجدانية وتجربة فريدة، فهو أقرب العبادات العينية المفروضة للجهاد فى سبيل الله، وكانت وزارات الدفاع والحربية من قبل يطلق عليها نظارة الجهادية نسبة إلى الدفاع عن الحوزة وممارسة مقاتلة أعداء الله الذين يعتدون على الأرض والعرض، وكان قواد الجيوش المسلمة يطلق عليهم «الغازى» نسبة إلى حديث النبى، صلى الله عليه وسلم، «من لم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية»، فلذلك كان من يؤدى فريضة الحج يطلق عليه «الحاج» أى أنه مارس عملا خاصا مختلفا عن ذلك الذى يمارسه المسلمون فى عباداتهم القريبة مثل الصلاة والصيام، ذلك أن الحج يشتمل على تلك العبادات جميعا ففيه الصلاة وفيه النفقة وفيه بذل الجهد وفيه الامتناع عن المحظورات وفيه ضبط النفس بعدم الرفث والفسوق وفيه اجتماع بباقى المسلمين على جبل عرفات من كل الألوان والأجناس ومن جميع الأمم والأصقاع كتعبير مجسد عن الانتماء لأمة وحدة «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ».
 
وفى الحج استقامة على منهج الأنبياء والمرسلين وتأكيد على العلاقة المتينة الممتدة إلى منهجهم وسيرتهم، فالحاج حين يذهب إلى البيت العتيق هو يستجيب لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام فى قوله تعالى «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»، وهو تواصل مباشر مع بيت الله الحرام وكعبته المشرفة حيث تدخل إلى ذلك العالم القدسى المتعالى عن صغائر الاهتمامات وشؤون الدنيا، حين تطوف بالبيت العتيق وحين توجه وجهك للحجر الأسود وحين ترى مقام إبراهيم وهو يرفع القواعد من البيت وابنه إسماعيل، هناك ينسى المرء جسده ونفسه وغرائزه وشهواته وتوقف مراكز الحس التى تحركها أسباب الدنيا والذات ليبقى فقط شعورك بربك وارتباطك بالعلى المتعال.
 
تجربة الموت التى تفاجئنا جميعا دون أن نعد لها، فى الحج ممارسة حية لها فأنت تمارس تجربة الموت قبل أن يفاجئك حين يحين أجلك، ذلك اللباس الأبيض وهو لباس الإحرام الذى ترتديه وحده بلا أى ملابس أخرى، فأنت عارٍ لا شىء معك سوى تجردك الكامل لربك، يشعر المرء ببعض الخجل حين يتجرد من ملابسه ليرتدى ذلك اللباس الأبيض الذى يشبه الكفن ولكنه ممارسة للموت قبل أن تفاجأ به «فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ»، وفى الحج سعى بين الصفا والمروة كما فعلت أمنا هاجر، حين ترددت بينهما تبحث عن الماء لوليدها إسماعيل حتى تفجر بئر زمزم تحت قدميه، ويشرب منه كل يوم عشرات الآلاف من المسلمين ولا ينضب أبدا، وحين كنت أقف على عرفات كانت الدموع تنساب من عينى كيف لمحمد، صلى الله عليه وسلم، اليتيم أن يغير وجه العالم بذلك الشكل وتجعل رسالته من تلك البقعة التى لا زرع فيها ولا أسباب حقيقية للحياة أو التطور بقعة مباركة تهفو إليها الأفئدة والعقول والأجساد «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» ولا يعايش مسلم تلك الحالة والتجربة الفريدة رغم ما فيها من معاناة إلا ويحب أن يعود إلى ممارستها من جديد، كما فى قوله تعالى «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا» ومثابة هنا يعنى يحب أن يثوب إليه ويرجع من زاره، لا يمكننا تفسير اختيار تلك البقعة من الأرض من منظورات اقتصادية أو انثربولوجية أو اجتماعية كما حاول مستشرقون ولكننا نقول إنها إرادة الله واختياره لذلك المكان «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة